Author

وأخيرا انحنت السويد أمام ضغط الجائحة

|
أستاذ جامعي ـ السويد
لعام ونيف العام والسويد تتحدى العالم في أسلوبها الخاص في مواجهة فيروس كورونا المخيف والقاتل. رغم صيحات المعارضين أن نهج عدم الاكتراث الذي سارت عليه السويد لمنع تفشي الوباء سيرتد وبالا، إلا أن القائمين على إدارة دفة الأزمة تشبثوا بمواقفهم التي كانت غايتها - حسب رأيهم - تحصين الشعب السويدي أمام الموجة الثانية للفيروس التي نشهدها حاليا. ورغم أرقام الضحايا المرتفعة التي كانت قد عبرت سقف خمسة آلاف وفاة بسبب الوباء قبل قدوم الموجة الثانية، أصر الفريق السويدي بقيادة أندش تيكنيل عالم الدولة للأوبئة أن البلد سيجتاز الموجة الثانية للوباء بيسر، لأن الشعب سيكون عندئذ قد تحصن ضد الفيروس.
"أحلام اليقظة" بهذه العبارة وصف بعض الصحف الغربية ومعها السويدية سياسة تيكنيل حول كيفية التعامل مع الوباء، وذلك نقلا عن أنيكا ليندي التي كانت تحمل المنصب ذاته حتى عام 2013.
اعتقد تيكنيل ومجموعة العلماء الدائرين في فلكه أن ترك الفيروس يأخذ مجراه ودورته في الطبيعة سيقود إلى مناعة مكتسبة لدى أغلب الأفراد، وهذا بدوره سيحمي البلد من تبعات الموجة الثانية التي كانت الدلائل كلها تشير إلى قدومها في الشتاء.
وفي الصيف عندما هبط عدد المصابين إلى رقمين أحيانا وعدد الضحايا إلى رقم مفرد واحد وخلا بعض المستشفيات وردهات الطوارئ من المصابين الذين في حاجة إلى عناية مركزة، كان تيكنيل يظهر بتبختر في الإعلام ضمن مؤتمراته الصحافية شبه اليومية ويقرأ على رؤوس الصحافيين أن كل شيء سيكون على ما يرام في الشتاء.
ووصل التباهي به إلى انتقاد الدول التي اتبعت سياسات فرض القيود والإجراءات الحازمة، متنبئا أن وضعها سيسوء عندما يكشر الفيروس عن أنيابه للمرة الثانية، وأن السويد أكثر استعدادا للتعامل مع الوباء منهم وأنها ستكون في حال أفضل.
وظهر أن السويد لم تكن على أهبة الاستعداد لمواجهة الوباء في موجته الثانية ولا هم يحزنون، وشهد البلد زيادة كبيرة في عدد الإصابات كادت تقترب من ستة آلاف إصابة جديدة في النهار والوفيات بالعشرات يوميا. ومن النادر أن تتدخل الحكومات في السويد في عمل المؤسسات والمصالح التابعة لها. هذا ليس لأنها لا ترغب في ذلك، لكن الدستور يحدد نطاق تدخلها. وأمام الموجة الجديدة وصيحات كبار الأطباء ومديري المستشفيات أن وحدات العناية المركزة في البلد تكاد تنفجر والعاملين في الطبابة والصحة صاروا أمام ضغط قد لا يستطيعون تحمله، كان لا بد من تغيير توجيه الدفة وربما قيادتها.
وشهدنا هذا الأسبوع مؤتمرا صحافيا عاجلا لستيفان لوفين رئيس الوزراء يتلو تصريحات يعترف فيها أن السياسة السابقة في مواجهة الوباء لم تعد ناجعة. كان لوفين متجهما وهو محاط بوزراء ومسؤولين آخرين، غابت الابتسامة عن وجوههم. كان موقفا صعبا حقا لأن قبل فترة أسابيع خففت الحكومة بعض الإجراءات مثل الحد الأقصى للتجمع ورفعته إلى 300 من 50 في كثير من الأنشطة فيما رآه المعارضون في حينه أنه تحد غير مدروس وسيكون له نتائج عكسية.
وجاء اعتراف تيكنيل بخطأ قرار رفع سقف التجمعات من 50 إلى 300 شخص متأخرا جدا، لأن على ما يبدو أن الوباء في طريقه إلى الخروج عن السيطرة إن لم تلجأ الحكومة إلى اتخاذ إجراءات أكثر قسوة وصرامة للحد من تفشيه.
وما أثار تهجن المراقبين هنا في السويد كانت الحجج التي استند إليها رئيس الوزراء في شرحه لسبب تغيير البوصلة في طريقة التعامل مع الوباء في موجته الثانية، حيث قال: إن أغلب السويديين لم ينفذوا التعليمات السابقة طواعية فكان لا بد من فرضها.
وهذا الموقف يعارض الأقوال السابقة لتيكنيل ومجموعته من العلماء والمختصين الذي كانوا يمتدحون الشعب السويدي الذي عكس الشعوب الأخرى طواعية ينفذ التوصيات حيث لا حاجة إلى أي إجراءات قسرية.
وكان رئيس الوزراء في مؤتمره الصحافي ينطق ويأمر ويوجه كأنه في ساحة حرب: "إن الأمور ستسوء أكثر"، قال وهو يحذر شعبه ويدعوه إلى البقاء في المنازل وعدم ارتياد النوادي والمطاعم وعدم التجمهر حتى عدم الذهاب إلى المكتبة، وهذا، باعترافه، يعد تدخلا كبيرا غير مسبوق في الحياة في السويد.
وبعد المؤتمر الصحافي لرئيس الوزراء الذي كان إيذانا بمقدم مرحلة خطيرة لتفشي الوباء في السويد، خلت الأماكن العامة من مرتاديها وانخفض عدد الموجودين في الأسواق والصيدليات حتى الشوارع بدرجة كبيرة. وعند ذهابي لاحتساء قهوتي في الظهيرة في المقهى المطل على البحيرة، كنت الزبون الوحيد ولأول مرة منذ قدومي إلى السويد قبل أكثر من عقدين أرى الناس في حالة قلق وخوف.
إنشرها