Author

ما الحل لمشكلة تدهور أسعار حقوق الأولوية؟

|
مختص بالأسواق المالية والاقتصاد
مضى أكثر من سبعة أعوام على إطلاق آلية تداول حقوق الأولوية، وهي التي ظهرت فكرتها قبل 15 عاما في كتابي "كتاب المال والاستثمار في الأسواق المالية، المتوافر مجانا على الإنترنت"، وما تلا ذلك من تفاصيل في مقالات عديدة. وعلى الرغم من جودة تطبيق الآلية من قبل شركة "تداول"، إلا أن الفكرة لا تكتمل ولا تعمل بشكل صحيح إن لم تطبق بشكل كامل، حتى إن لزم الأمر تغيير بعض أنظمة السوق وآلياته.
أولا، المشكلة هي أن سعر الحق في السوق يشطح بشكل غير عقلاني وبغياب شبه كامل لأي وسيلة لتصحيح الخلل في السعر. على سبيل المثال، هذا الأسبوع رأينا كيف أن حقوق الأولوية لشركة أنعام القابضة اختتمت الأسبوع بكميات كبيرة معروضة للبيع بسعر 66.20 ريال، بينما السعر الإرشادي 116.20 ريال، وهذا فرق شاسع ومهول. وبقي يوما تداول لهذه الحقوق، ولا نعلم حجم المفاجأة المنتظرة في هذا التباين العجيب.
ما المشكلة في هذا التباين بين سعر الحق السوقي وسعره الإرشادي؟
المشكلة أن سعر السهم الحالي 126.20 ريال، وهذا يعني أنه من المفترض ومن الطبيعي أن يستطيع أي شخص شراء الحق بسعر 66.20 ريال ودفع عشرة ريالات للاكتتاب بالسهم فيصبح مالكا للسهم بسعر 76.20 ريال، بينما السهم يباع بسعر 126.20 ريال، بل الحقيقة أن السهم حتى بهذا السعر صعب جدا شراؤه لعدم وجود من يرغب في البيع!
السعر الإرشادي الذي تنشره "تداول" ويحدث طوال اليوم هو السعر المفترض أو الطبيعي أو العادل للحق، ويحسب بخصم عشرة ريالات من سعر السهم، فيصبح 116.20 ريال. أهمية السعر الإرشادي هي أنه من المفترض لو كان سعر الحق مساويا للسعر الإرشادي فلا يمكن الحصول على السهم بسعر مخالف لسعر السوق. أي لو أن شخصا اشترى الحق بسعر 116.20 ريال ودفع عشرة ريالات للاكتتاب، فستصبح تكلفة السهم عليه 126.20 ريال، وهي مطابقة لسعر السهم في السوق، وهذا هو الأمر الطبيعي.
الحل لهذا التباين في السعر، نجده في آلية المراجحة "أو الآربيتراج"، ذاك المفهوم في الأسواق المالية، وبشكل أقل في الأسواق الأخرى، الذي يعني أنه بالإمكان تحقيق ربح خال تماما من المخاطرة، وذلك بالاستفادة من أي ثغرة أو خلل في تسعير الورقة المالية. أي لو أن شخصا وجد ورقة مالية معروضة للبيع بسعر 100 ريال في مكان وفي الوقت نفسه مطلوبة للشراء بسعر 110 ريالات في مكان آخر، فمن الطبيعي أن يقوم الشخص بشرائها بسعر 100 ريال من المكان الأول وبيعها على الفور بسعر 110 ريالات في المكان الثاني، ويحقق ربحا بمقدار عشرة ريالات بشكل قاطع وخال من أي مخاطرة. وبسبب عمليات الشراء من مكان والبيع في مكان آخر، سيتلاشى التباين بين سعري الورقة بسرعة. هذه فكرة المراجحة وهذه الفائدة منها للأسواق، أي تعديل شطحات الأسعار.
إذن، لماذا لا نقوم بالمراجحة في أسعار حقوق الأولوية في المملكة، ونحقق ربحا خاليا من المخاطرة، وكذلك نساعد على تصحيح اختلالات الأسعار؟
حاليا من الممكن تصحيح الخلل بشكل جزئي من قبل ملاك السهم، وذلك ببيع السهم "المرتفع السعر"، وشراء الحق "المنخفض السعر"، ومن ثم الاكتتاب بالحق، التي كما رأينا أعلاه تسمح بامتلاك السهم نفسه بتكلفة أقل.
وعلى الرغم من ذلك، حتى هذا الحل الجزئي لا يعمل به كثيرا، والشاهد على ذلك التباين المهول بين سعر الحق السوقي والسعر الإرشادي في كثير من الحقوق المتداولة في الأعوام الأخيرة. جوهر المشكلة هو، أن تداول حقوق الأولوية يتطلب آليات مرنة تقدمها السوق للمتداولين، وهي غير موجودة حاليا في تداول.
ما الآليات المطلوبة غير الموجودة حاليا؟
في هذا المقال، سأتطرق لها بشكل سريع، وبالإمكان الرجوع إليها بمزيد من التفصيل في مقالات مقبلة. المشكلة الأساسية هي في تأخر نزول السهم المكتتب به في محافظ المستثمرين لمدة تصل إلى نحو الشهر، وبذلك تتعطل عملية المراجحة. والحل لهذه المعضلة قدمته في هذه الصحيفة عام 2015 بعنوان " فكرة جديدة للاكتتاب الفوري في أسهم حقوق الأولوية".
الفكرة هنا أنه يصبح بالإمكان شراء الحق والاكتتاب به على الفور ويصبح سهما في محفظة المستثمر على الفور. لا يوجد أي تحفظ ولا خلل نتيجة القيام بذلك إطلاقا، لأنه في حقيقة الأمر الأسهم الجديدة لرفع رأس المال قد تم تسجيلها لمصلحة الشركة مباشرة بعد انعقاد الجمعية غير العادية! هذه النقطة ربما فاتت على المشرعين، بحكم أنهم يعتقدون أنه لا يمكن منح السهم المكتتب به على الفور للمساهم، لأن فترة الاكتتاب لم تنته بعد، والحقيقة أن فترة الاكتتاب انتهت منذ تسجيل الأسهم في سجلات الشركة من قبل السوق المالية، وكذلك انتهت منذ توقيع العقد مع متعهد التغطية، وهذا التزام قانوني ومالي لا غبار عليه. أي أن الهدف من متعهد التغطية هو دفع قيمة السهم للشركة بغض النظر عن نتيجة الاكتتاب.
إذن، إذا كانت الأسهم الجديدة بالفعل في حوزة الشركة وتمت إضافتها إلى أسهم الشركة، وقامت "تداول" بالفعل، باعتمادها ونشرها على موقعها وفي سجلاتها، فهي بالفعل أسهم موجودة من ضمن هيكل الشركة ويمكن تداولها على الفور دون تحفظ ولا تردد.
النقاط الأخرى لتصحيح الخلل تتمثل في السماح بالبيع على المكشوف لأسهم الشركات عموما، أو على الأقل للشركات التي لديها حقوق أولوية، وربما نعود إلى ذلك لاحقا.
ختاما، تم تطبيق آلية حقوق الأولوية المتداولة بخطوة جريئة من قبل شركة "تداول"، ولكن في غياب مخل لبعض الآليات الضرورية التي تزيل تباين الأسعار غير الطبيعي بين السعر السوقي للحق والسعر الإرشادي له، وترفع في حال تطبيقها من جودة سوق الأسهم السعودية.
إنشرها