Author

اقتصاد «عدم اليقين» إلى أين ؟ 

|

 
التحديات كبيرة التي يواجهها الاقتصاد العالمي، وهذا ليس اكتشافا، بل حقيقة واقعية يعرفها الجميع. صندوق النقد الدولي يعتقد بوجود تعاف اقتصادي عالمي مؤقت، وهذا صحيح بالفعل، لأن هذا الاقتصاد تحرك بعض الشيء في أعقاب إقدام الحكومات حول العالم على إعادة عجلته لدورانها، لكن ليس الدوران السابق لتفشي وباء كورونا المستجد.

إن الاقتصاد استند في الواقع إلى عمليات الإنقاذ الحكومية هنا وهناك، بما في ذلك قيام بعض الحكومات بتسديد رواتب موظفين في القطاع الخاص. وعندما فكرت الحكومات في وقف عمليات الإنقاذ والدعم، بدأت ملامح موجة أخرى من كورونا تظهر على الساحة. وبصرف النظر عن قوتها الراهنة، فقد أقدمت دول عديدة على إعادة إغلاق اقتصاداتها بصورة جزئية، في حين تدل المؤشرات على أنها قد تتقدم خطوة أخرى وتغلقها بشكل كلي.

التعافي الراهن يوصف بأنه هش ومؤقت وجزئي، هذه هي الصورة الحقيقية له، ولذلك فهو غير متوازن ومحفوف بدرجة كبيرة من عدم اليقين، وهذه أيضا خلاصة نظرة صندوق النقد لوضع الاقتصاد العالمي. والمشكلة الحاضرة بقوة على الساحة، تكمن في أن الأزمة الاقتصادية الناجمة عن وباء لم يتوقعه أحد معرفة آثاره وسلبياته على النمو الطبيعي للاقتصاد العالمي، وهذا الوضع سيترك آثارا عميقة وطويلة الأمد في حركة مؤشرات الاقتصاد ونموها بالشكل المطلوب.

بمعنى أن التعافي الكلي المأمول دوليا، لن يحقق العودة إلى ما كان عليه الاقتصاد قبل الوباء. بعض التوقعات تشير إلى أن هذا التعافي لن يتحقق بشكل تام قبل نهاية العقد الحالي، نظرا إلى ضعف نمو الإنتاجية، وازدياد أعباء المديونية، وارتفاع مستويات التعرض للمخاطر المالية، وزيادة الفقر وعدم المساواة، فضلا عن تحديات أخرى طويلة الأمد لا تزال قائمة.

وتكفي الإشارة هنا، إلى أن عددا متزايدا من الدول، قفزت ديونها عن مستويات ناتجها المحلي الإجمالي. بالطبع كل شيء قابل للتعديل إذا ما كانت هناك مستجدات إيجابية على ساحة الوباء العائد إلى المشهد العام، في مقدمتها العثور على لقاح عملي وواقعي وحقيقي، يوقف الإصابات التي عادت في بعض الدول إلى مستويات ما كانت عليه في أوج تفشي الوباء في آذار (مارس) الماضي.

وتعتقد كريستالينا جورجييفا مدير عام صندوق النقد الدولي، أن التعاون العالمي القوي بشأن اللقاحات، ربما يسرع التعافي الاقتصادي العالمي، ويضيف تسعة تريليونات دولار إلى الدخل العالمي بحلول 2025. وهذا يعني أنه حتى في حال نجاح اللقاحات المشار إليها، لن يتم التعافي قبل منتصف العقد الجاري، علما بأن حالة وبشائر اللقاحات لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب عالميا، بل هناك شكوك تحوم حول بعض هذه اللقاحات هنا وهناك.

لا شك في أن عمليات التحفيز التي أقدمت عليها الحكومات حول العالم أسهمت إيجابيا في منع السقوط الحر للاقتصادات، وهذه العمليات يمكنها ببساطة أن تكون عاملا مساعدا في مرحلة لاحقة لتعزيز عملية التعافي المأمولة. ومن هنا يمكننا فهم نداءات المؤسسات الاقتصادية العالمية لكل الدول بمواصلة عمليات التحفيز، ليس فقط لتأمين تعاف أسرع، بل للحفاظ على مؤسسات وقطاعات تشكل محاور رئيسة لأي اقتصاد.

ليس هناك شيء واضح حاليا بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي، طالما أن كورونا وباء لم تتم السيطرة عليه، لكن الواضح أن الآثار التي تركها الوباء، ولا يزال يتركها، ستكون حاضرة لمدة طويلة، ما يجعل التعافي المنشود مهددا في مشهد يعمه عدم اليقين والاضطراب، ولا سيما بعد أن خسر هذا الاقتصاد أكثر من 21 تريليون دولار خلال فترة زمنية لم تتعدى العام.

إنشرها