Author

النجاح والقبول أساسهما الحكمة

|
من الناس من يلفت نظرك بهدوئه، ونظراته الثابتة، وتركيزه على ما يقوله الآخرون حتى ليشعرك بالاهتمام، بل وبما تقول، وهو معك بحواسه وعقله، حتى إذا ما انتهيت من الحديث تجده فهم وبعمق ما قلت، وحلله إلى أجزائه المختلفة من حقائق، أو آراء شخصية، أو مشاعر لديك نحوه، أو نحو محيطك الأسري، أو الاجتماعي بصورة عامة، لا يقاطعك في الحديث، بل ينصت أشد الإنصات، عدا متابعتك بنظراته، وكأنه يربط بين لغتي اللسان، والجسد، في محاولة منه لفهمك بجمع الشواهد على دقة وصحة ما تقول، أو عكس ذلك، هذا النمط من الناس موجود في كثير من المجتمعات، ويعدون ثروة نادرة يستفاد منهم في حل المشكلات، وإبداء الآراء الصائبة في القضايا المستجدة في الأسرة، أو الإدارة التي يعمل بها مثل هؤلاء، أو على الصعيد الاجتماعي العام، خاصة في زمننا هذا الذي تكثر فيه التحولات إيجابية، أو سلبية.
هؤلاء الأشخاص لو بحثت في سيرهم الذاتية لوجدت فيها كنزا من الخبرات، والمعارف الرصينة، ذات المنبع الصافي، كما تجد في سيرهم مخالطة ذوي العقول الرزينة الذين يشهد لهم بالفطنة، والرجاحة العقلية، البعيدة عن الأهواء والمصالح الضيقة. على النقيض من أولئك صنف آخر كثير الكلام، يقاطع الآخرين عند حديثهم، وإن لم يقاطعهم تلهى، إما بالحديث مع شخص آخر، أو بالبحث في جواله، يوزع نظراته ذات اليمين وذات الشمال، وكأنه طير محبوس في قفص، وإن تحدث يتحدث بلا روية، تخرج الكلمات منه بسرعة فائقة، وغير موزونة، أفكاره مشتتة، وغير منظمة، ومبعثرة، يتحدث بصوت مرتفع يصل إلى حد اللجاجة، يوزع الاتهامات على الآخرين، خاصة من يخالفه الرأي، حتى إذا ما انتهيت من الحديث تجده يعلق بطريقة تكشف عدم تركيزه، وسوء فهمه للموضوع محل النقاش، بل يصل به الأمر إلى تحميل كلامك ما لا يحتمل، وتفسيره بصورة مغايرة تماما لما قلت لتكون النتيجة الحتمية إفشال النقاش، وتكدر النفوس، ولو حاولت جاهدا تصحيح فهمه لربما سفهك إن لم يشتمك.
هاتان الفئتان من الناس موجودتان، وتصادفهما، إما في مجلس عام، أو اجتماع، أو محاضرة، أو وسائل التواصل الاجتماعي في "تويتر"، أو "واتساب"، حيث الفضاء الواسع الحر الذي لا يمكنك اختيار من يعلق على تغريدتك، كما لا يمكنك إعطاء جرعة أخلاقية لمن يتابعونك، أو يتابعون غيرك تهذبهم بها، وتجمل قولهم، وتحسن لغتهم لفهمها، والاستفادة منها إن كانت ذا معنى. ومن يكن عضوا في مجموعة "واتساب" يجد هذين النوعين حيث الفائدة، والفكر النير، والاقتراح الصائب، أو العكس خطأ الفكرة، وسوء اللفظ، وتوتير الجلسة، أو اللقاء، وإفساده، وكأن هؤلاء وجدوا لإحداث هذه النتيجة.
الحكمة هي الأساس في تفسير هذين النمطين، فباتسام الفرد بالحكمة تكون السكينة، وحلو الكلام، وصواب الرأي، ورجاحته، وبدونها يكون فوضى الحديث، وضياع الفائدة، والشحناء ولذا أثنى الله على الحكمة "يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا"، لما لها من فوائد جمة للفرد، وفي الإدارة، والمنزل، وكم من إدارة شمخت، وحققت نجاحات هائلة بفضل رئيس حكيم يعالج الأمور بما يقتضيه الموقف، دون تهور، أو شطط، ودون تهاون، وضياع للمسؤولية، وما نقرأه ونسمعه من خسارة لهذه الشركة، أو تلك، أو لهذا الكيان، أو ذاك إنما مرده في الأساس افتقاد الحكمة، ولا يستغرب خسارة شركة، أو مؤسسة لا توجد لديها قائمة أولويات، أو أن قائمة أولوياتها قائمة على أنشطة عبثية ليس لها مردود حقيقي يزيد من إنتاجها، ومن ثم تحقيق الأرباح والانتشار.
شواهد الحكمة كثيرة في القول نطقا، وكتابة، والرأي، والفعل، والسلوك، والقرار، فهل نتأمل في أنفسنا، وبعمق لاختيار كلماتنا؟ وهل نتحرى التصرف السليم الذي يزيد اللحمة داخل العائلة الصغيرة، والكبيرة، أو في بيئة العمل؟ وهل ندرس صواب القرار قبل اتخاذه؟ عندما نراعي هذه الأمور تتحقق الحكمة، وتكون النتيجة كما نريد.
إنشرها