الداخل الإيراني يتآكل إرضاء لنزوات الملالي التوسعية
الداخل الإيراني يتآكل إرضاء لنزوات الملالي التوسعية
بينما تنشط الحكومة الإيرانية في بث الاضطراب وتأجيج الصراع حول العالم يعاني الداخل الإيراني سواء على مستوى المجتمع أو الدولة مصاعب جمة، كارتفاع معدل الجريمة وسوء التغذية "الذي طال 70 في المائة من السكان"، وشبكات نقل وكهرباء عفا عليها الزمن، وظاهرة الهرب من المدارس ودمار هائل لف البيئة الطبيعية، إضافة إلى عدم مشروعية الحكومة. وعلى الرغم من هذه المصاعب وتعددها ثمة أزمات عميقة تدور حول الهوية الوطنية والبنية التحتية واتساع فجوات الدخول. ومع مرور الوقت ازدادت هذه الأزمات سوءا ولم تعالجها بنجاعة أي من الحكومات المتعاقبة فالسياسيون وأحزابهم لا يقدمون سوى الوعود الكاذبة والفارغة التي يطلقونها في حملاتهم الانتخابية لحل هذه الأزمات. كان يعتقد جيل الثورة في إيران أن الحكومة ستعالج أزمة الهوية وتسد تفاوت الدخول في المجتمع، إلا أن الحكومة على أرض الواقع زادت الطين بلة.
وبحسب ما ترصده تقارير صحافية من الداخل الإيراني ذاته، فإنه بعد الثورة الإيرانية في عام 1979 فقد الإيرانيون هويتهم الوطنية التي كانت طريقا يهتدون به في سبيل معرفتهم لمصالحهم الوطنية، ولبنة يرسخون بها لحمتهم الوطنية في مواجهة الأزمات الاجتماعية والسياسية التي كانت تعصف بالبلاد آنذاك. وبشكل عام تتولد الهوية من عوامل عدة سواء أكانت اللغة والثقافة المشتركة أو الفخر الجماعي بانتصارات تاريخية أو التوحد في مواجهة عدو مشترك، وهنا اختار النظام الإيراني العامل الأخير "العدو المشترك" لتوحيد الشعب الإيراني تحت راية واحدة، إلا أنه لم ينجح فيها أيضا، فالولايات المتحدة حيث يعيش ملايين من الإيرانيين، وإسرائيل التي لم تتوعد قط بمسح إيران من الخريطة، كلتا الدولتين لم تعزز العداء للشعب الإيراني، ولذلك من الصعب جدا على الحكومة الإيرانية أن تنمي العداء تجاه هاتين الدولتين في أذهان أغلبية الشعب الإيراني، وفضلا عن تحديد عدو مشترك روج مسؤولو النظام الإيراني للإسلام السياسي كراية توحدهم، إلا أنهم فشلوا في تحقيق هذا الهدف أيضا.
وعلى صعيد الأمن المائي، تعاني شبكات مياه الشرب في إيران أزمة خانقة، فحسبما ورد على لسان خبير أن 30 إلى 40 في المائة من أنابيب مياه الشرب المستخدمة الآن لم تجر لها عمليات صيانة منذ نحو 60 عاما، وبلا شك تفاقم هذه الشبكات المتهالكة من نسب تسرب المياه، إذ تقدر كميات المياه المهدورة سنويا بـ30 في المائة. وعلى صعيد خدمات الطاقة، أصبح انقطاع التيار الكهربائي ظاهرة معتادة وستتفاقم ما لم تقم الحكومة الإيرانية بإجراءات تعالج بها شبكات الكهرباء المتردية في البلاد.
الجدير بالذكر هنا أن معظم خطوط شبكات الكهرباء شيد في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، بمعدل عمر افتراضي يصل إلى 50 عاما تقريبا. والآن قد تهالكت بالفعل وتحتاج إلى تطوير عاجل. أما المدارس فتعاني نقص التمويل ومتابعة صيانة المباني، فهناك 30 في المائة من مباني المدارس في حالة سيئة. والطرقات كذلك ليست بحالة أفضل، فالجسور والشوارع متهالكة، نحو الـ30 في المائة من حوادث الطرقات سببها تدني مستوى البنية التحتية لشبكات الطرق. وما ذكرناه من أزمات تعصف بإيران لا يدخل معظمها في تقييم الحكومة السنوي للبنية التحتية حتى تقرر إذا ما كانت هذه القطاعات تحتاج إلى تحسينات أم لا.
نظرا إلى الفساد الهيكلي في البلاد وما تتمتع به الطبقة الحاكمة من امتيازات وتوزيع إيرادات الحكومة بين أعضاء الطبقة الحاكمة وأقاربهم، نشأت فجوة كبيرة في الثروة بين الشعب الإيراني والطبقة الحاكمة. وازدادت هذه الفجوة اتساعا وعمقا من العقد الأول من الألفية على الرغم من القفزة في إيرادات النفط وتدفق الأموال بعد إبرامها الاتفاق النووي عام 2015. سبق وقد تضاءلت هذه الفجوة في الثمانينيات من القرن الماضي، حينما سعت الطبقة الحاكمة الدينية إلى ترجمة شعارات الثورة الإيرانية - تحقيق العدالة الاجتماعية - على أرض الواقع، وفي التسعينيات ازدادت نسبة الاستيلاء على موارد الدولة، أو ما يطلق عليه اصطلاحا "السعي وراء الريع"، وازداد معها انخراط الجيش في اقتصاد البلاد وقويت قبضة المرشد الأعلى أكثر في مختلف القطاعات الاقتصادية الإيرانية.
ومع مرور الزمن أصبح الاقتصاد الإيراني والنظام السياسي غارقين في الفساد. وهذا دفع إلى نشوب أزمة في عام 2018 وعام 2019 عندما اندلعت مظاهرات عفوية في الشوارع والمدن الإيرانية والأحياء الفقيرة في أطراف المدن. وحسب التقارير الصادرة عن الحكومة الإيرانية توجد نحو 23 إلى 40 مليون إيراني يقبعون تحت خط الفقر المطلق وتعيش ثلاثة أرباعهم تحت خط الفقر النسبي، تعيش هذه الطبقة الفقيرة على إعانات الحكومة ليسدوا بها رمقهم، إذ إن متوسط تكلفة المعيشة لأسرة يعيلها شخص واحد تسعة ملايين تومان شهريا، بينما نجد أن متوسط الدخل الشهري للعامل في إيران يصل تقريبا إلى ثلاثة ملايين تومان.
وازدادت أعداد الإيرانيين الذين يعيشون في العشوائيات من عام 2018 إلى 2020 من 19 مليون نسمة إلى 38 مليون نسمة. وفي الأدبيات الاجتماعية والسياسية في إيران يطلق على قاطني العشوائيات سكان المقابر وسكان مصانع الطوب وسكان الأحياء الشعبية وسكان العشوائيات. وهنالك عوامل عدة أدت إلى ازدياد نسبة نزوح الإيرانيين نحو أطراف المدن الكبرى أبرزها: شح المياه وارتفاع معدلات البطالة في المدن الصغيرة والكوارث الطبيعية كالفيضانات والهزات الأرضية. وفي جميع الأحوال يزداد الإيرانيون فقرا، فقد انخفض نصيب الفرد من الدخل إلى 34 في المائة من 2011 إلى 2019، بينما تزداد الطبقة الحاكمة غنى، وهذا أدى بدوره إلى اتساع فجوة الثروة في البلاد لتثقل كاهل الدولة والمجتمع بمزيد من الضغوط.