الآلية الديمقراطية على المحك .. كورونا يلقي بظلاله على الانتخابات الأمريكية
الآلية الديمقراطية على المحك .. كورونا يلقي بظلاله على الانتخابات الأمريكية
بدأ العد التنازلي لإجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي ستفتح صناديق اقتراعها في الثالث من نوفمبر المقبل، التي تعد المحفل الديمقراطي الأكبر على مستوى العالم، لما يملكه هذا المنصب من أهمية، بانتخاب الشخص الذي يمثل الدولة الأقوى على مستوى العالم في المجالات الاقتصادية والعسكرية، والصناعية، لكن ظروف هذه الانتخابات ستختلف عما سبقها، نتيجة للمؤشرات التي ظهرت أخيرا، خصوصا بعد تصريحات المرشح الجمهوري الرئيس الحالي دونالد ترمب، الذي أثار مخاوف المراقبين حول الانتقال السلمي للسلطة هناك، حيث أشارت تصريحاته الأخيرة إلى احتمال إلغاء بطاقات الاقتراع التي ترسل بالبريد، بعد أن أثار هلع صناع القرار والناخبين بقوله، "فلنتخلص من هذه البطاقات، وسيكون الأمر سلميا جدا، ولن يحصل نقل فعلي للسلطة، سيكون الأمر مجرد استمرارية"، عادّا أن الانتخابات لا يمكن أن تكون حرة ونزيهة بسبب تلك البطاقات، مشتكيا باستمرار من ظروف تنظيم الانتخابات، التي يعدها ستشهد عمليات تزوير، في ظل الإجراء المحتمل اتباعه في ظل جائحة كورونا.
تحدد ملامح السياسة الأمريكية بناء على قرار المواطن الأمريكي واختياراته، لكن هذا القرار مرتبط بمجموعة من العوامل والظروف، التي تدفع الناخب الأمريكي إلى اختيار الرئيس الأكثر جدارة وكفاءة بالنسبة إليه، لكن هذه المرة تظهر المؤشرات حدوث تفاصيل مغايرة تضع الديمقراطية الأمريكية على المحك في ظل مطالبات الرئيس ترمب، الذي يهدد بالتمسك بالسلطة في حال خسارته، مطلقا حملة مبكرة من الرفض والتشكيك، لكل ما يجري من إجراءات تتعلق بالانتخابات، خصوصا بعد تقدم منافسه جو بايدن المرشح الديمقراطي في استطلاعات الرأي، على الرغم مما يقدمه الرئيس ترمب من برنامج انتخابي منفتح على الداخل والخارج، لكن المواطن الأمريكي يبني مواقفه من المرشح بما يتوافق مع مصالحه كمواطن، وتجربته مع سياسات الرئيس خصوصا في حال كانت حملة ترشحه لفترة رئاسية ثانية، إذ تبنى قرارات الناخبين على ما تقدمه الحملة الانتخابية للمرشحين، وما يجنيه المواطن من سياسات تنفعه أو تضره.
سبق للرئيس ترمب أن هدد قيادات الحزب الجمهوري، بإقامة احتجاجات وتظاهرات في حال عدم ترشيحه لمنصب الرئيس أثناء الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في 2016، وكان الرئيس ترمب يشكك في قيادات الحزب الجمهوري التي لم تصوت لمصلحته، وها هو اليوم يثير استنكارا كبيرا لدى المعسكر الديمقراطي وحتى بين صفوف أعضاء حزبه الجمهوري، عقب رده على سؤال صحافي أخيرا، عندما قال، "يجب أن نرى ما سيحصل"، حيث تركز السؤال على إذا ما كان يتعهد ترمب بالالتزام بنقل سلمي للسلطة حال خسارته الانتخابات، ما دفع المرشح بايدن إلى التعليق على تصريحات الرئيس ترمب قائلا، "في أي بلد نعيش؟"، مضيفا، "هو يقول أكثر الأمور غير العقلانية، لا أعرف ما أقول"، لكن السيناتور الجمهوري ميت رومني عبر عن استنكاره لتصريحات الرئيس ترمب لتدارك الأزمة، عادّا إياها "أمرا لا يعقل وغير مقبول"، مغردا عبر "تويتر"، "النقل السلمي للسلطة أمر أساسي للديمقراطية، دون ذلك سنكون أشبه ببيلاروس".
يواجه الرئيس ترمب عقبات عدة في انتخابات الفترة الرئاسية المقبلة، إذ يرى البعض تبنيه في فترته الرئاسية الحالية محاربة المهاجرين غير الشرعيين، وهو الوتر الذي لعب عليه المرشح الديمقراطي بايدن، إذ يعول كثيرا في الحصول على أصوات الناخبين من أصول إفريقية، نظرا إلى كونه نائب الرئيس السابق باراك أوباما أول رئيس أمريكي من فئة البشرة السمراء الداكنة، والمتبني هموم الأقليات العرقية كالمسلمين والمهاجرين وأثقالها، الذين واجهوا حملات عنصرية كبرى، خلال فترة حكم الرئيس ترمب الحالية، إذ تخللتها ظروف استثنائية عدة، أبرزها الاحتجاجات الشعبية، التي اجتاحت البلاد عقب مقتل جورج فلويد المواطن الأمريكي من أصول إفريقية على أيدي ضباط الشرطة، وسط انحياز الرئيس ترمب لجهاز الشرطة، على حساب القتيل والفئة المنتمي لها.
كما تزداد المصاعب أمام الرئيس ترمب من تبعات جائحة كورونا، وما تسببت فيه من انعكاسات سلبية على الاقتصاد الأمريكي، إضافة إلى وعوده الانتخابية، التي قطعها أمام مؤيديه خلال الانتخابات السابقة مقابل المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، إذ سبق له أن وعد ببناء جدار عازل بين بلاده والمكسيك لمنع الهجرة غير الشرعية، إضافة إلى وعده بترحيل 11 مليون مهاجر غير شرعي، فيما عد كثيرون هذه الوعود الانتخابية عنصرية، لا ترتقي إلى تطلعات الشعب الأمريكي الديمقراطية، لكن الرئيس غير آبه لكل ما يساق ضده من حملة مضادة تحمل طابعا سلبيا، تجاه سياساته الداخلية والخارجية، متبنيا سياسة الاتهام المضاد ومهاجمة الخصوم، إذ يتعامل مع مجريات الأحداث بأسلوب التشكيك في خصومه وفي إدارتهم العملية الانتخابية، خصوصا أنها ستجرى استثنائيا عبر البريد تحاشيا لخطر جائحة كورونا، مستبقا النتائج، باتهام الجهات التي أوصلته إلى منصبه الحالي بعدم النزاهة.
ويخوض الرئيس ترمب انتخابات مرحلته الرئاسية بكاريزما الرئيس القوي، الذي يعده كثيرون أعاد الهيبة إلى الولايات المتحدة، بعد أن فقدتها أمام روسيا في فترة حكم الرئيس أوباما، مرجعين الفضل إليه في ذلك، إذ تمكنت أمريكا من العودة إلى الإمساك بزمام الأمور على المستوى العالمي، خصوصا بعد انسحابه من الاتفاق النووي الموقع مع إيران في 2015، إضافة إلى أنه أول رئيس أمريكي يزور كوريا الشمالية بعد قطيعة طويلة وتوتر في العلاقات، كما يعد الرئيس ترمب القادم من عالم المال والأعمال والبعيد كل البعد عن السياسة وتفاصيلها، أنه أرغم الحلفاء والأعداء على الالتزام بمسؤولياتهم سواء عسكرية كانت أم اقتصادية، لكن في المقابل يفتقد المرشح الديمقراطي جو بايدن إلى الكاريزما، التي يتمتع بها الشخص الذي يشغل منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، إذ يعاني مشكلات في التواصل مع الجمهور، إضافة إلى عدم مقدرته على نسج عبارات مترابطة ومقنعة، ليفرض الحزب الديمقراطي عليه رقابة صارمة، حتى لا يقع في مزيد من الأخطاء، التي وقع فيها أخيرا عندما غط في نوم عميق، أثناء حفلة الدعم، التي نقلتها شاشات التلفزيون، كما ظهر في كثير من المحافل مرتبكا ومشوشا، إضافة إلى ارتكابه أخطاء فادحة، أبرزها اقتباسه خطابات من زعماء وتبنيها، عرضته للاتهام بالكذب، حيث لم تشفع له أعوام خدمته الطوال في السياسة، وكذلك غضبه دون مراعاة المناصب التي تقلدها، التي سيشغلها حال فوزه، خصوصا عند سؤاله عن تورط ابنه في قضايا التربح المالي حينما كان نائبا للرئيس أوباما.
وسيتواجه كلا المرشحين خلال أكتوبر المقبل في ثلاث مناظرات متلفزة، أمام الشعب الأمريكي، إذ سيراعي المنظمون ظروف جائحة كورونا والتباعد الاجتماعي، التي تسببت في تغيير زمان ومكان المناظرة الأولى، التي كانت ستعقد في جامعة نوتردام في ولاية إنديانا، لتنتقل إلى المكان الجديد في مقر كلية الطب في جامعة ويسترن ريزيرف، إذ ستقام غدا 29 من سبتمبر الجاري، لكن يتوقع أن تكون ظروف المناظرات مغايرة لما سبقها، لكن هذه المناظرات تثير قلق أعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حد سواء، خشية من نرجسية الرئيس ترمب على الجانب الجمهوري، فيما يخشى الحزب الجمهوري من ضعف كاريزما المرشح جو بايدن.