Author

وطن حيزت لنا الدنيا فيه

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
منذ 120 عاما، انطلقت دعوة الملك عبدالعزيز لكل أرجاء الوطن، من أجل توحيد البلاد تحت راية "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، تلك الدعوة العظيمة، التي دعا بها النبي محمد - صلى الله عليه وسلم- قبل 1400 عام، دعوة الإسلام الخالدة، دعوة السلام والأمن والأمان، ومضى بها الملك عبدالعزيز - رحمه الله - في جهاده ودعوته إلى توحيد المملكة حتى أتم الله له الأمر عام 1351هـ. واليوم، مضى 90 عاما على إعلان السعودية دولة موحدة قوية بمؤسسات حكومية حديثة. وفي ذلك التاريخ انبعث أبناء المملكة لقيادة تلك المؤسسات الحكومية، كل فيما برع فيه، سواء في التعليم أو الصحة أو الجيش. وتخرج الآلاف في المدارس والجامعات، ومضت هذه الدولة في تنمية رأس المال البشري والاجتماعي، تسابق الأمم ويتسابق أبناؤها في خدمة الوطن والعَلم. وكلما مر عام وجاءت ذكرى الوطن، تذكرنا جميعا ما أنعم الله به علينا، من وحدة وأمن، ونستعرض الخدمات كلها، التي يقدمها لنا الوطن في التعليم والصحة والأمن وغيرها، وفي كل عام، أسأل نفسي كم خدمت الوطن؟
90 عاما قدم لنا الوطن خدمات جليلة، وكم قدم لآبائنا من قبلنا، فماذا قدمنا نحن للوطن؟ فمن بين تلك الـ 90 عاما أفتخر شخصيا بأنني عملت 25 عاما في خدمة وطني، ومع هذا الشرف يعلوني خجل، فأعوام الخدمة قليلة جدا إذا تذكرت أنني عملت أياما معدودة في كل شهر وساعات محدودة في كل يوم، وفي المقابل كان الوطن يقدم خدماته في كل يوم من أيامي وكل دقيقة من ساعاتي. وكل وقت هناك من يراقب أمني ولم أراقب أمنه، وطبيب يرعى صحتي لم أدر شيئا عن صحته، وهناك من يراقب السماء، فلا يخترق الأجواء ما يهدد يومي أو يفزع قلبي، وهناك من يتابع رحلة سفينة في غمار البحر حتى تصل سالمة وهي محملة بالغذاء لسفرتي، وهناك من يسافر بالقمح من الصوامع للمخابز حتى أجد الخبز عند الصباح، وهناك من كان يحسب أجر ساعاتي في العمل كي أجد مالا في جيبي أدفع قيمة مشترياتي، كل هذه الخدمات وغيرها مما لا يحصى، تتم وأنا في منزلي بين أسرتي، وأتذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من بات آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فقد حيزت له الدنيا".
نعم، حيزت لنا الدنيا في السعودية، هذا الوطن الكبير. حيزت لنا ونحن آمنون في سربنا، نسير من شرق المملكة إلى غربها، من جنوبها إلى شمالها، نسير آلاف الكيلومترات بلا خوف لا نحمل سلاحا ولا نخشى سلاح الآخرين، ولا توجد مربعات أمنية، ولا ميليشيات مسلحة، ولا حرب عصابات، ولا نقاط مراقبة. تسير في الطريق، فلا ترى غير المدن العمرانية والمساكن الآهلة بالآمنين، فلا لاجئين ولا مخيمات، ولا قيود علينا في المسار ولا في السير ولا في الوقت. لا نخشى أن ينقطع الوقود، فأمن الطرق دوما قريب، ولا نخشى النوم بلا سكن ولا مأوى لتأخر طائرة عن موعدها، فهناك أنظمة تكفل السكن والطعام حتى موعد السفر، أمن يجعلنا نشكر الله كثيرا، فقد حيزت لنا الدنيا.
نعم، حيزت لنا الدنيا في السعودية، حيزت لنا ونحن معافون في أبداننا، بين مستشفيات في كل مدينة وبين القرى، في العاصمة مدن طبية، وفي كل مدينة طبية مستشفيات تخصصية، فلا تقلق من مرض فهناك - بإذن الله - العلاج، هناك الأطباء السعوديون، رجالا ونساء، أنفقت الحكومة على تعليمهم في أرقى جامعات ومستشفيات الدنيا، وهناك طواقم من الممارسين الصحيين، والصحة بالمجان لا تدفع مقابلها ثمنا، فلا ثمن للصحة في المملكة، وتم تسخير التقنية للخدمات الصحية، حتى أصبحت تجد علاجك في الصيدليات الخاصة. إحساس بالسلامة والعافية يجعلنا نشكر الرحمن على نعمة هذا الوطن.
نعم، حيزت لنا الدنيا في السعودية، ونحن نجد قوت يومنا، فالغذاء سهل مع وفرة كبيرة رغم الصحراء التي تحيط بنا، ورغم قلة الأمطار وشح المياه العذبة، رغم عدم وجود الأنهار، لكن بنعمة من الله ثم بهمة أبناء هذا الوطن، نصدر الحليب والألبان، ولدينا أكبر محطات تحلية المياه في العالم، وننعم بوفرة جميع أنواع الفواكه والتمور، وتتنافس المدن السعودية بمهرجات الإنتاج الزارعي من الزيتون في الشمال، إلى العسل في الجنوب، ومن القهوة في أعالي الجبال، إلى التمور في سهول الوسط، وتتنافس الدنيا من شرقها إلى غربها على الفوز بحصة من السوق السعودية في المواد الغذائية، فالحمد لله الوهاب، والحمد لله على نعمة الوطن.
وطن حيزت لنا الدنيا فيه، يستحق منا العمل على خدمته حتى آخر رمق، نسعى إلى الحفاظ عليه، وعلى ما أنعم الله لنا فيه، وبالشكر تدوم النعم.
إنشرها