Author

وسائل التواصل الاجتماعي .. السوق الحرة

|
جولة في عوالم وسائل التواصل الاجتماعي مثل "تويتر"، و"فيسبوك"، و"سناب"، وغيرها تكشف أن التباين بين الأفراد أمر لا بد منه لتتكامل الحياة، وتنمو، وتزدهر، وتثمر، وليستمر الإنسان يؤدي الوظيفة التي أنزله الله للأرض من أجلها، هذا التباين يأخذ مناحي شتى، من حيث اهتمامات الناس، وميولهم، وأنشطتهم، فهذا في مجال الفكر والمعرفة والفلسفة، وآخر اهتمامه منصب على التقنيات، وثالث في الاقتصاد، وشؤونه، ورابع في القضايا الاجتماعية، والسياسية، وخامس في التهريج والترفيه، وسادس في الطبخ، والأكل، وهكذا أفراد آخرون في مجالات أخرى، وكما يقول المثل: كل يغني على ليلاه.
جولة متأنية تقودك إلى التفكر، وطرح التساؤلات بشأن التباين، وكيف اختار كل واحد من الناس هذا المجال، أو ذاك، هل بإرادته، ورغبته، أم "مكره أخاك لا بطل"، كما يقول المثل. أحاديث الناس، وكتاباتهم، وتصرفاتهم تكشف الأسباب في كثير من الأحيان، خاصة أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت سوقا حرة يعرض كل فرد بضاعته بإرادته، ودون إكراه من أحد، ليجد الآخرون الداخلون الميدان ما لا يخطر على البال مما يقذف به تجار السوق الحرة من بضائع الفكر جيدها، ورديئها، ومن بضائع الأخلاق حسنها، وسيئها، ومن دعايات البضائع المادية ما قد يحتاجون إليه حقيقة، أو يجدون أنفسهم منساقين نحوه، تحت إغراء العرض فإن كانت البضاعة فكرية يكون للبيان سحره، وجاذبيته "إن من البيان لسحرا" فحسن اختيار الألفاظ، وجودة سبك الجملة، والأسلوب، وطريقة الإلقاء، والصوت، كلها عوامل جاذبة، مثلها مثل العطور الجيدة تغريك برائحتها الزكية.
بل إن بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يكشفون ذواتهم، ومن الأعماق، حتى إن الأمر ليصل إلى الحديث عن أمور تدخل في الخصوصيات، فما شأن الناس، بما أكل، وشرب "السنابي"، وأين ذهب، وماذا فعل، وهذه الأنشطة تمثل تحولا على المستوى الفردي في القيم، ولو أن الأمر اقتصر على الفرد لهان الأمر، لكن ما يعرض في السوق الحرة يتعدى أثره إلى الآخرين إذا لم يكن المتلقي على مستوى من النضج، والحكمة التي تؤهله لفحص المنتج، والتمييز بين الغث، والسمين، والمفيد، والضار، وبعبارة أخرى إذا لم يكن محصنا بالشكل المناسب.
بضاعة الفكر التي تعرض في وسائل التواصل الاجتماعي، فيها الغث، والسمين، والمفيد، والخطر، وكل يتحمس لجذب الآخرين لبضاعته، بغض النظر عن فائدتها، وجودتها للاعتقاد أن كثرة المؤمنين بالفكرة، أو المنهج المعروض يحقق مكاسب شخصية مادية أو معنوية، كجماهيرية وشهرة ذائعة بين الناس، وهذا مثله مثل البضائع المادية، كالملابس، والمآكل، وأدوات الزينة، حيث التفنن في طريقة العرض بتوظيف الألوان والحركة، والعرض المباشر، كما في عروض مختصي الطبخ والمطاعم، إذ تحدث الصورة شهية، ولو كان المرء شبعا من كل ما لذ وطاب.
وصلت إلى قناعة أن كل ما يعرض في وسائل التواصل الاجتماعي يستهدف إحداث تغيير لدى الإنسان، إلا أن الجوانب المستهدفة تختلف باختلاف نوع البضاعة المعروضة، فعروض المعارف بشتى أنواعها، والفلسفة، وقضايا المجتمعات، والحوارات السياسية، والثقافية تستهدف إحداث تغير في فكر المتابع، إما لقبول معتقد والإيمان به، كما يفعل أصحاب الديانات المختلفة، أو إحداث قناعة برؤية سياسية يتبناها صاحب الخطاب، حتى إن كانت الرؤية ساقطة من أساسها، إلا أن صاحبها، ومؤيديه يحشدون المبررات لسلامة التوجه، وفائدته على المديين القريب، والبعيد، حتى لو كانت المؤشرات كافة تؤكد سقوط التوجه من أساسه، وافتقاده المبررات المنطقية، والمصلحية، وما قادة الأحزاب الشيوعية في العالم العربي إلا خير شاهد، فبعد سقوط الفلسفة عمليا في الاتحاد السوفياتي لا يزال البعض يجتر الحديث مزينا وداعيا إليها.
البضائع ذات الطابع المادي هدفها زيادة الربح من خلال بث الدعاية المغرية، ولذا يتعامل تجارها مع "السنابيين" الجماهيريين الذين يبلغ متابعوهم الملايين، وهذا النوع من التجارة يعتمد في الأساس على تحريك الشهوات، والرغبات، وإشاعة الميول، أو إيجادها من الأساس.
إنشرها