مفهوم الولاء للوطن في يوم الوطن

يحتفل جميع أطياف المملكة، غدا، باليوم الوطني النابع من الولاء للوطن، لتتغلب محاسن روح الفريق الواحد على مساوئ الانفرادية والحزبية والقبلية، ولنقف جميعا جنبا إلى جنب في مسيرتنا الحافلة نحو ترسيخ مفهوم الولاء للوطن بين أجيال مستقبلنا.
في قريتنا الكونية تتبارى دول العالم في كيفية ترسيخ هذا المفهوم بين مواطنيها. بعض هذه الدول حقق هذا الولاء من خلال التجنيد الإجباري لكل مواطن دون استثناء، مثل: سويسرا والنمسا وفنلندا، وبعضها حققه من خلال اعتزاز مواطنيها بقوة الوطن الاقتصادية وتفاخرهم بمستوى خدماته الصحية والتعليمية والاجتماعية، مثل: الصين واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وأستراليا ونيوزيلندا، وبعضها من خلال تباهي المواطن بمراتب وطنه المتقدمة بين دول العالم في التقنية والإبداع الفكري والبحث العلمي والقوة العسكرية، مثل: أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا.
ولترسيخ مفهوم الولاء للوطن تضع هذه الدول أساليب التربية في المكانة الأولى قبل وسائل التعليم، لتصب في مراحلها الابتدائية على توعية الأجيال بمبادئ الآداب العامة واحترام سلوكيات النظام، إضافة إلى تنمية روح الفريق وتشجيع الطلبة على اكتساب المهارات الأساسية في الرياضة والفنون والرياضيات وقراءة قصص نبلاء وعلماء الوطن.
ونظرا لمكانة وأهمية التربية في جميع مراحل التعليم بهذه الدول، يتم اختيار أفضل المدرسين الحاصلين على أعلى الشهادات في مجال تخصصهم لتدريس الطلبة والطالبات، حيث لا يتم تعيينهم إلا بعد اجتيازهم فترة تأهيل لمدة أربعة أعوام ونجاحهم بامتياز في مجالات التربية والإرشاد والتوجيه. ولتعزيز مكانة الولاء للوطن في هذه الدول تقوم وزارات التربية والتعليم بتعيين هؤلاء الخبراء في المراحل الابتدائية ليكونوا مسؤولين مسؤولية مباشرة عن إرشاد طلبة الوطن ومتابعة أمورهم وتوجيه مستقبلهم. ويقوم هؤلاء الخبراء بغرس مفاهيم الاعتزاز بنتائج العمل وحسن الأداء من خلال تنمية مهارات الطلبة ومواهبهم وتذليل جميع العوائق التعليمية والاجتماعية التي تواجههم.
معظم هؤلاء الخبراء اقتبسوا علمهم وخبرتهم من عصور الحضارات، ومنها الحضارة الإسلامية التي نجحت في دمج فلسفة التكامل بين التربية والتعليم وبين العقل والقلب والروح والجسد، فخضعت التربية لمقومات الأخلاق والآداب واعتمد التعليم على عناصر الفكر والابتكار. في ذلك العصر تآلفت قلوب أجدادنا تحت لواء التعاون والتسامح، وتهافت علماؤنا على الفوز بمنابر التحصيل والابتكار والمعرفة، وتوحدت أهدافنا بالتعاضد والتماسك بالولاء للوطن.
واليوم يؤكد المؤرخون أن حضارتنا الإسلامية كانت أول من قام بدمج العلوم الطبيعية بالبحث والإبداع لينتج عنه ما يطلق عليه في عصرنا الحاضر بمصطلح العلوم المعرفية. واليوم يعترف خبراء العالم المتقدم بأن مدارسنا في عصر الحضارة الإسلامية كانت سباقة في تعضيد جهود التربية الأخلاقية بالفطرة النقية لينتج عنها ما يعرف اليوم بالشفافية والمصداقية. لذا نجحت حضارتنا الإسلامية في ترسيخ مبادئ الولاء للوطن ليرتفع عدد علمائنا إلى 62 ضعف عدد علماء الكرة الأرضية، ولتفوق مراجعنا العربية 189 ضعف عدد المراجع باللغات الأجنبية، ولترتفع ميزانية أبحاثنا العلمية 30 ضعف ما كانت تصرفه دول العالم بأسرها على الأبحاث في جميع المجالات.
ونظرا لأننا نواجه اليوم مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي الناتجة عن تنامي قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، والهادفة إلى تطويع عقول أجيالنا وتوجيه أفكارهم، فجعلت من البعيد قريبا، والصادق كذوبا، والمظلوم ظالما، والناصح الأمين عميلا خائنا، أصبحت مسؤولية تحصين أجيالنا المقبلة وتنمية مداركهم وتوجيه عقولهم نحو الولاء للوطن والاعتزاز بالانتماء للوطن واجبة وضرورية من خلال ترسيخ المبادئ التربوية التالية:
أولا: إحلال مبدأ التشرف بالمواطنة مكان التفاخر بالقبلية والحزبية وتشجيع روح الفريق الواحد بدلا من الانفرادية والأنانية، مع ضرورة التركيز على الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تحثنا على هذه المبادئ.
ثانيا: إلزام جميع المدارس برفع سارية العلم السعودي على مبانيها وتدريب الطلبة، صباح كل يوم وفي أثناء الاحتفالات والمناسبات، على تحية العلم واحترامه وصيانته، إضافة إلى تعميم قراءة قصص علماء المسلمين وخبراء العرب على جميع الطلبة.
ثالثا: تنمية المواهب الجماعية مثل الرياضة وأصول الإبداع الفكري والفني والثقافي والنهوض بمستوياتها إلى مصاف الدول الرائدة فيها، وتشجيع الطلبة على المشاركة الفعالة في البرامج الوطنية، مثل: ترشيد استخدام المياه والطاقة، وتنظيف الشوارع، والمحافظة على الحدائق والأماكن العامة، ومساعدة كبار السن.
رابعا: تدريب الطلبة على مفهوم الإحسان والإتقان من خلال شرح مبادئ "العمل عبادة" و"إماطة الأذى عن الطريق" و"الضرر يزال" و"الإسلام دين السلام والأمن والأمان" و"الدين النصيحة" و"الأمر بالمعروف يتم بالمعروف" و"النهي عن المنكر لا يتم إلا بالإحسان".
ورغم أن الانتماء للوطن يعد أقوى ارتباطا بالأرض والوطن والهوية، لكونه يترسخ في جذور الجغرافيا والتاريخ والبيئة، إلا أن الولاء للوطن هو الرابط الرئيس الذي يتحقق من خلال الاختيار والرضا والإخلاص غير المشروط. لذا، فإن الانتماء إلى الوطن لا يشكل بالضرورة دليلا على الولاء له. فاقتناء بطاقة الهوية لا يعني أن حاملها قد تولدت عنده ثقافة الترابط، أو قد نشأ عقد بينه وبين وطنه، لا تزول بنوده، بحكم المصلحة أو الظروف مهما كانت. لذلك فمعيار الالتزام بالولاء للوطن يكون في السلوك الذي يترجم مشاعر الاعتزاز بالانتماء، ويصل الى حد القبول بمقومات التضحية في سبيل حماية استقرار الوطن، وصون كرامته، والذود عن سيادته.
علينا ابتداء من اليوم التركيز على مثل هذه المفاهيم وإشاعة ثقافة المكان والولاء للوطن والأرض، فهذا أكثر ثباتا وتجردا وإخلاصا للتشبث بالأرض والتمسك بوحدة الوطن وهويته، وليس الولاء للحزب أو الطائفة أو القبيلة، ليتلازم الانتماء للوطن مع الولاء لقيادته في كل الحالات والمقاييس والأدبيات.
وعندما يصبح الولاء للوطن على رأس أولوياتنا، نستطيع الوصول إلى مصاف العالم المتقدم، لأن الولاء قيمة ثابتة لا تتغير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي