Author

الجامعات والمجتمع .. الحاجة إلى علاقة أمتن

|
تمثل العلاقة بين الجامعات ومؤسسات المجتمع الأخرى الحكومية، وغير الحكومية التعليمية وغير التعليمية، حاجة أساسية إلى نمو وتطور المجتمع في كل الوجوه، نظرا لما تمتلكه الجامعات من تجهيزات كالمعامل، والمختبرات، ومصادر التعلم الثرية، والمراكز البحثية، ولما يتوافر فيها من عقول تعلمت، ونالت أعلى الشهادات من خارج المملكة وداخلها، والمجتمع بمؤسساته المتنوعة لديه الحاجة إلى تطوير مرافق الإنتاج لزيادة سرعة الإنتاج وكميته والرفع من جودته، ليكون قادرا على منافسة البضائع المستوردة، وتلك المصنعة محليا من شركة أو مصنع.
كما أن المشكلات الاجتماعية والسلوكية، كالطلاق والسرقة والمخدرات والبطالة والأمراض النفسية، تحتاج إلى البحث في حلول لها تفاديا لتفاقمها والتأثير في المجتمع في بنائه وتماسكه، كما تستفيد المنشآت الإدارية والصناعية، وذلك من خلال تطوير نماذج إدارية وسلوكية تناسب بيئة العمل بكل مكوناتها وتعقيداتها، ويضاف إلى ما سبق توافر السيولة المالية لدى مؤسسات المجتمع الحكومية والخاصة، الممكن توظيفها لدعم البحث العلمي بما يخدم حاجته أيا كانت طبيعتها.
في دول العالم المتقدم معرفيا وتقنيا يحرصون على العلاقة بين الجامعات ومؤسسات المجتمع، من خلال إقامة الشراكات وبرامج الدعم والأوقاف البحثية الضخمة والمستدامة، ضمانا لاستمرارية المشروع البحثي وعدم توقفه لأسباب مالية، حتى إن المشروع يتعاقب عليه أكثر من باحث في حال مرض أو وفاة الباحث الرئيس ليحل مكانه باحث آخر، ومن البحوث النمائية في علم النفس ما استمر منذ 70 عاما حتى الآن.
الشراكات بين الجامعات والشركات والمصانع والدوائر الحكومية ذات الحاجة إلى البحث العلمي، تحتاج إلى قناعة من مؤسسات المجتمع بأن بيت الخبرة الوطني قادر على تلبية الحاجة البحثية على مستوى من الكفاءة والموضوعية، لتوافر الإخلاص لدى باحثي الوطن وكفاءاته، إضافة إلى إلمامهم بالثقافة والقيم لما لذلك من قيمة في الإدارة وخصائص الشخصية، وهذا قد لا يتحقق ما لم تغرس الثقة بالعالم المختص في مجاله، والباحث المقتدر المتسلح بالمعرفة والمهارات البحثية العالية.
الصورة الذهنية المتأصلة لدى البعض أن بيت الخبرة الأجنبي، مثله في ذلك مثل المنتجات الصناعية والغذائية أفضل من المحلي، والسبب في ذلك يعود لما تعودنا عليه خلال عقود، فعندما نبحث عن سلعة ما نسأل البائع هل هي ألمانية، أم إنجليزية، أم يابانية؟، وهكذا، دون أن نسأل إن كانت سعودية، والعجب أن البائع أحيانا يحاول الإقناع بجودة المنتج السعودي، وربما يجد التردد من الزبون في الشراء.
أعرف أن الحكومة في لوائح مناقصاتها وضعت ما يلزم الجهات المنفذة لمشاريعها أن تكون المنتجات السعودية جزءا من المشروع، إن كانت المواد المنفذ بها المشروع يوجد إنتاج محلي لها، إلا أن اللوائح لا تكفي وحدها، إذ لا بد من أن يكون المنتج ذا جودة عالية لضمان تنفيذ المشروع بشكل متين يضمن سلامته، فالطرق والجسور والمباني قد تنهار ما لم تكن موادها عالية الجودة، وهذا ما ألاحظ الفرق فيه في أوطان تشبهنا في المناخ والبيئة ونوع التربة.
هناك بعض الجامعات لديها خبرات تراكمية، وتستقطب أساتذة وباحثين مميزين أصبحت بيوت خبرة مميزة ليس في أوطانها فحسب، بل على مستوى العالم، حتى إن بعض الأساتذة الباحثين يسافرون لتقديم المشورات وعقد الدورات، ويحصلون على عقود بحثية بمبالغ ضخمة، وأبرز مثال على هذا العالم البيولوجي الأمريكي تشارلز ليبر الأستاذ في جامعة هارفارد، المتعاقد مع جامعة يوهان الصينية، والمتهم في أمريكا بمساهمته في تطوير فيروس كوفيد - 19 في مختبرات جامعة يوهان.
نحن بحاجة إلى دعم الجامعات، بما تحتاج من إمكانية تمكنها من تلبية الاحتياجات الوطنية البحثية، وهذا يتطلب إيجاد ثقافة وطنية تعطي البحث العلمي قيمته، وتفتح للباحثين فرص الوصول للبيانات، لتتم الاستفادة منها وتحليلها بهدف الوصول إلى حلول للمشكلات، ولعل المرونة الإدارية من أهم العناصر المشجعة على البحث العلمي، وأيضا على الدوائر الحكومية والمنشآت الخاصة تقديم المساعدة الكافية للباحث للحصول على البيانات بسهولة، فهل نعطي جامعاتنا وباحثينا فرصة خدمة وطننا في مجال البحوث والاستشارات بدلا من استحواذ بيوت الخبرة الأجنبية عليها؟.
إنشرها