قطاع الكهرباء والتخطيط لانتعاش مستدام

تسببت مدونة كتبها الخبيران ستيفان هاليجاتي، وستيفن هامر، في الآونة الأخيرة، في حالة من الجدل بالفعل بشأن كيفية تطبيق حزم التحفيز للتعافي من الجائحة بطرق تدعم الزخم القائم صوب عالم تنخفض فيه انبعاثات الكربون. هذا المقال يستند إلى ذلك التحليل، ويركز على دور قطاع الكهرباء.
أخفقت بعض الحكومات في توقع الكيفية التي تجهز بها اقتصاداتها وأنظمة الصحة العامة لمواجهة عاصفة مثل فيروس كورونا، وستكون تكلفة الأزمة والتعافي اللاحق هائلة في حد ذاتها. لقد اضطررنا عمليا لوقف الاقتصاد العالمي كي تستطيع الأنظمة الصحية التكيف مع الوضع. من الأهمية بمكان ألا نتعرض للإخفاق مرة أخرى سواء في تجنب الجائحة المقبلة أو "ذروة الأزمات" التي يثيرها تغير المناخ.
من المفهوم جيدا أن حزم التحفيز المالي الوشيكة الضخمة ستكون فرصة تعادل تريليونات الدولارات. وإذا ضاعت هذه الفرصة للحيلولة دون وقوع أزمة المناخ، ربما لا تأتي مجددا أبدا. لكن ما الوسيلة المثلى لاستغلال الفرصة؟ ما الدروس التي نتجت عن أعوام من التقدم السريع للطاقة النظيفة، التي قد تساعد على صياغة حزم التعافي؟
هذه هي الدروس المهمة في أربعة مجالات رئيسة:
ـ سياسات من أجل الطاقة النظيفة. حققت السياسات الداعمة الكثير في توسعة انتشار الطاقة النظيفة، وخفض تكاليف الوحدات عبر وفورات الحجم على المستوى العالمي وتسريع منحنى التعلم. على سبيل المثال، تضمنت السياسات استخدام العطاءات من أجل القيام بمشتريات الطاقة النظيفة لخفض الحاجة إلى الدعم إلى الحد الأدنى. وربما تركز المرحلة المقبلة من الإصلاحات على ضمان أن هياكل السوق والقواعد التنظيمية تقدم مكافآت للاستثمارات في تخزين الطاقة، لتعويض التقلب في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
ـ تكاليف الطاقة النظيفة. الدرس الرئيس الآخر هو أنه كلما استطاعت التكنولوجيا النظيفة تجاوز الحاجة إلى الدعم، كان ذلك أفضل. هناك كثير من أمثلة الدعم التي يجري تعليقها خلال الأزمات المالية، ما يجعل المستثمرين عازفين عن التعويل عليها لأجل غير مسمى. ويوجد اختلاف كبير في الوضع اليوم، مقارنة بالتعافي بعد الأزمة المالية العالمية في 2008، وهو أنه توجد الآن تكنولوجيات للطاقة المتجددة ذات تكلفة تنافسية. كما يجب أن يعاد تركيز الدعم على التكنولوجيات الجديدة والواعدة، ويمكن أن ينقل ذلك السعي لخفض انبعاثات الكربون إلى مستوى جديد (على سبيل المثال حلول مرنة للطاقة الكهربائية مثل القدرة على الاستجابة للطلب أو تخزين الطاقة).
ـ تأمين إمدادات الطاقة. يمكن أن تحل الطاقة المتجددة المتغيرة محل الوقود الأحفوري عند مستوى محدد من الانتشار في أي نظام للطاقة الكهربائية، لكنها ستصل في نهاية المطاف إلى حد معين، ما يؤثر في أمن إمدادات الكهرباء. عند تلك المرحلة، من الضروري تطبيق حلول مرنة للكهرباء لتمكين الطاقة المتجددة المتغيرة الرخيصة من مواصلة الانتشار في النظام.
ـ التمويل من أجل الطاقة النظيفة. تظهر التجربة أن الاستثمارات المبكرة في تكنولوجيات الطاقة النظيفة تحتاج إلى تمويل يقل عن مستوى الشروط التجارية، لإتاحة التأثير الجلي والقابل للتكرار. هذا على وجه الدقة ما تهدف إليه آليات التمويل الخاصة التي سأصفها فيما يلي. هذه الآليات مفيدة بوجه خاص حين يكون من الممكن إشراك الاستثمار الخاص ودعمه بمزيج من التمويل التجاري وبشروط ميسرة. لذا، فعبر استغلال تلك الدروس، هناك حل مقترح، قد تحقق فيه مجموعة البنك الدولي وصناديق الاستثمار في الأنشطة المناخية الريادة.
بإمكان الحكومات استغلال عمليات سياسات التنمية سريعة الصرف من البنك الدولي وبقية بنوك التنمية متعددة الأطراف لدعم سياسات الإصلاح التي تسمح لاستثمارات الطاقة النظيفة بأن تكون مكونا رئيسا في التعافي الاقتصادي. وتوفر المساهمات المحددة للدول على المستوى الوطني في عديد من الحالات إطار العمل لسياسات "جاهزة".
ويمكن أن يشرع المستثمرون في تجهيز مشاريع استثمارية للمساندة، حين تكون هناك جاهزية من صناديق الاستثمار في الأنشطة المناخية وصندوق المناخ الأخضر. وقد تشكل تلك الاستثمارات مكونا كبيرا في حزم التحفيز المالي، ما يدر دخلا ووظائف مباشرة، بينما يساعد أيضا على توفير الطاقة الرخيصة المطلوبة لقيادة التعافي الاقتصادي.
كما يمكن للمانحين أن يضمنوا أن الإجراءات على مستوى المناخ تشكل جزءا مهما من التمويل الإنمائي من بنوك التنمية متعددة الأطراف وجهود التعافي من فيروس كورونا. وسيتطلب هذا زيادة الموارد في صناديق الاستثمار في الأنشطة المناخية وصندوق المناخ الأخضر بشكل متناسب مع جهود التمويل الإنمائي من بنوك التنمية متعددة الأطراف. وثمة حاجة إلى البدء باتخاذ قرارات المانحين في هذا الشأن، ومن شأن هذا تيسير المناقشات التحضيرية الدولية التي تسبق مفاوضات المناخ "COP26" التي تستضيفها المملكة المتحدة في العام المقبل. ربما تكون هذه هي الطريقة التي نجحت بها جلاسكو بينما لم تفعل مدريد.
لذلك، تجب علينا حاليا زيادة عمليات سياسات التنمية المستندة إلى المساهمات المحددة للدول على المستوى الوطني، وتجهيز مشاريع استثمارية، وإعادة تزويد صناديق الاستثمار في الأنشطة المناخية وصندوق المناخ الأخضر على نطاق يتناسب مع حجم التحدي. عبر الاستعانة بذلك النهج، يمكن تحقيق الكثير من أجل الحيلولة دون وقوع الأزمة المقبلة. إنها فقط مسألة وجود الإرادة السياسية للقيام بذلك، وحسن البصيرة لإدراك أن عدم القيام بذلك يستدعي كارثة. إن الجائحة أوضحت أننا يجب أن نتمتع بالقدرة على التخطيط للمستقبل إذا أردنا تقليص أوجه ضعفنا إزاء الصدمات المستقبلية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي