Author

مدرسة المستقبل إلى أين؟

|
ما من شك أن كوفيد - 19 فرض على العالم أجمع ظروفا استثنائية تأثرت بها مجالات عدة صحية، واجتماعية، وتعليمية واقتصادية، وسياحية في كل أنحاء العالم، ونحن في بداية عام دراسي جديد يلزم التفاعل مع حديث الساعة، حيث كثر الحديث بشأن الإجراءات المتخذة بشأن التعليم، إذ تقرر أن يكون عن بعد من خلال منصة مدرستي لمدة سبعة أسابيع يتم بعدها تقييم الوضع.
الطلاب، وأولياء الأمور في هذا النوع من التعليم مطالبون ببذل كثير وكثير من الجهد، والوضع يتطلب الاعتماد على النفس من قبل الطالب لمتابعة منصات التعليم، والبحث عن المعلومة، وحل الواجبات، والتمارين دون متابعة وإلحاح من المعلم كما في التعليم التقليدي، كما أن أولياء الأمور تقع عليهم مسؤولية المتابعة، والقيام بدور المعلم، وقائد المدرسة في الإشراف على سير العملية التعليمية، حين انتقلت المدرسة من المبنى العام إلى منزل العائلة، وما من شك أن الدور الملقى على عاتق أولياء الأمور يواجه كثير من الأسر صعوبة بالغة للقيام به، نظرا لمحدودية تعليمهم، أو عدم تخصصهم، أو عدم القدرة على توفير التقنيات اللازمة وفي حال توافرها يصعب التعامل معها. الأطروحات، والاقتراحات، والشكاوى، والملاحظات التي أثيرت كشفت عن تأخر في مؤسساتنا الرسمية لمجاراة الجديد في نظم التعليم، وتوظيف التقنية في هذا المجال المهم، عدا الاجتهادات الفردية هنا، أو هناك. التعليم عن بعد، والمدرسة الإلكترونية، والفصل الإلكتروني، والمحتوى الإلكتروني أصبحت مصطلحات متداولة هذه الأيام كبدائل للتعليم التقليدي لتحقيق ولو الحد الأدنى من التحصيل، نتيجة الوضع الطارئ الذي لم يتهيأ له المجتمع، ولم يتكيف معه بعد لافتقاد متطلبات التكيف على المستويين المؤسسي، والأسري الذي يحتاج إلى الدعم ماديا، وفنيا، حتى لا يجد البعض نفسه كما عبر الشاعر:
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له *** إياك إياك أن تبتل بالماء
ترى لماذا تأخرنا مؤسساتيا عن الأخذ بالتقنية، وتوظيفها في التعليم عن بعد؟.
في الجامعات عموما كان التدريس، ومناقشة الخطط، ورسائل الماجستير، والدكتوراه يتم للطالبات عن بعد من خلال الاستديوهات في مدينة الطالبات في عليشة التابعة لجامعة الملك سعود، وكان يتم البث من الدرعية إلى هناك، وإن كانت التجهيزات لا تفي بجميع الاحتياجات، وهذا يعني أن فكرة التعليم عن بعد موجودة منذ زمن، وكذا التقنية، وإن كانت ليست بالمستوى الذي نعيشه الآن.
لست هنا بصدد إعطاء الأسباب، والمبررات لحالة السكون المؤسسي تجاه توظيف التقنية، ولو على سبيل التجربة في مدرسة، حتى تكون لدينا خبرة نكتشف من خلالها الإيجابيات، والسلبيات، ونبني عليها خططا مستقبلية نساير بها التحولات العالمية في توظيف التقنية في التعليم على نطاق واسع، مع أن الساحة لم تخل من طرح الموضوع وطرقه إلا أني بصدد البحث، وطرح الموضوع لعلنا نشخص الداء.
في عام 1423هـ عقدنا في كلية التربية جامعة الملك سعود ندوة مدرسة المستقبل مستهدفين تحريك الساحة، وتشجيع الباحثين على دراسة الموضوع من جميع الجوانب الفلسفية، والنظرية، والتقنية بما في ذلك من تحديات، وصعوبات تتمثل في القناعات المجتمعية، والإدارية واللوجستية، وعند طرح الموضوع لم نكن على يقين بما وجدناه من حماس للمشاركة، حيث تم إجازة 23 بحثا، وورقة عمل ناقشت الموضوع بعمق وتفصيل فني وتقني من حيث المدرسة الافتراضية، والفصول الافتراضية، والتعليم عن بعد، والرقمنة، وتوظيف التقنية، وخدمة التعليم للمعوقين، والأهداف، والاحتياجات لهذا النوع من التعليم، ودور المعلم في مدرسة المستقبل، ونماذج التعليم عن بعد وبيئات التعلم الإلكتروني، والافتراضات، والحقائق بشأن مدرسة المستقبل.
هذه مجرد شذرات بسيطة مما ورد في تلك الندوة لأن المساحة لا تسمح بالدخول في التفاصيل، ولعل من المناسب الإشارة إلى حوار دار بيني وبين الدكتور خالد العنقري، وزير التعليم العالي في وقته عندما سألني ونحن في الطريق لمنصة الافتتاح ماذا لديكم؟ فقلت له: هذه خطوة على طريق طويل، ولبنة أساسية في بناء كبير لا قبل لكلية التربية بإمكاناتها المحدودة أن تشيده وحدها، ولعل ذوي الشأن أن يلتقطوا الفكرة، ويستفيدوا من بحوث الندوة.
ولقد أكدت هذه الفكرة في كتاب البحوث المطبوع من قبل الجامعة في السطور التالية:
إن المؤمل أن يجد المختص، وصانع القرار في دفتي ملزمة البحوث ما يساعد على رسم الصورة الواضحة لمدرسة المستقبل، خاصة أننا في وقت نشعر فيه كمختصين أن الأمر جد خطير في شأن المدرسة وما يجب أن تكون عليه، فلسفة وأهدافا ومبنى وإمكانات، ومعلمين، وإدارة ونظما وطرائق تعليمية ومناهج. إن الدراسات الاستشرافية هي التي ترسم الطريق نحو المستقبل، لأنها تتنبأ بما يجب أن يكون عليه المستقبل انطلاقا من الواقع معيش، وأخذا في الحسبان للظروف القائمة، إضافة إلى الطموحات المستقبلية، والتغيرات المتوقعة ليس على الصعيد المحلي فحسب، بل العالمي. أما وبعد أن مضى ما يقارب الـ 20 عاما على هذه الندوة فمن حق المجتمع أن يسأل لماذا لم تتم الاستفادة منها، ومن غيرها مما هو موجود في الساحة؟.
إنشرها