Author

الطاقة المتجددة والطائرات الورقية

|
على مدى العقد الماضي تنامت الطاقة المتجددة وتحولت من مجرد فكرة مختصة كان عديد يشككون في جديتها إلى مصدر طاقة يوفر جزءا كبيرا من احتياجات الطاقة في عدة دول حول العالم. وتعد الطاقة النظيفة الآن واحدة من أسرع الصناعات نموا في العالم كله. ولا شك أن استمداد الطاقة من مثل هذا المصدر شديد التقلب له عيوبه، ما يجبرنا على عدم الإفراط في الاعتماد على الطاقة المتجددة والاستمرار في استخدام محطات الطاقة المناسبة للأحمال الرئيسة التي تعمل عادة بالوقود الأحفوري.
لكن ماذا لو تمكنا من إيجاد مصادر ثابتة أو أقل تقلبا للطاقة المتجددة؟ ماذا مثلا لو تمكنا من وضع جهاز من أجهزة توليد طاقة الرياح عاليا في الغلاف الجوي، حيث تكون الرياح ثابتة وتهب بسرعات أعلى؟.
عندما يطير جسم صلب مثل الطائرة عبر الهواء تكون سرعة الهواء القريب من سطح الجسم بطيئة بسبب الاحتكاك. ويحدث هذا الأمر نفسه بالضبط على سطح الكوكب، بمعنى أنه كلما ارتفعنا عن سطح الكوكب ازدادت سرعة الرياح. وهذا يعني أن الأغلبية العظمى من إجمالي طاقة الرياح المتاحة لا يمكن حصادها إلا من الغلاف الجوي العلوي.
إذن كيف يمكننا الوصول إلى ارتفاعات أعلى وحصاد طاقة الرياح الضخمة من هناك؟ في هذا الإطار قامت إحدى الشركات بحل آخر هو استخدام الطائرات الورقية. ويتكون هذا النظام من طائرتين ورقيتين مربوطتين ببكرة. ويتم فك هذه البكرة لتحلق الطائرتان الورقيتان في الهواء بسرعات تصل إلى 160 كم/ساعة في حركة تأخذ شكل الرقم 8 في اللغة الإنجليزية.
وينتج عن فك البكرة تشغيل مولد كهربائي، وكذلك تغذية مراكم هيدروليكي. يخزن هذا المراكم الهيدروليكي الطاقة الكامنة في شكل ضغط يمكن إطلاقه لتشغيل مولد يعمل على تخفيف الفروق في سرعة الطائرتين الورقيتين، وهي خاصية جودة أساسية تجعل الطاقة الناتجة عن النظام متوافقة مع احتياجات الشبكة. ويرجع استخدام طائرتين ورقيتين إلى السماح لطائرة ورقية واحدة بالارتفاع بينما تنخفض الأخرى، مع استخدام كمية صغيرة من الطاقة الناتجة عن ارتفاع إحدى الطائرتين لإعادة لف حبل الطائرة الهابطة.
لكن كيف لا يصل هذا النظام إلى نقطة توازن تتساوى فيها قوتا الرفع في كل طائرة ومن ثم تعلق الطائرتان الورقيتان؟ تكمن إجابة هذا السؤال في أن هذه الطائرات الورقية هنا ليست أجسام سحب، بل أجسام رفع ذات أسطح خاصة يتم التحكم فيها بواسطة حجيرة آلية صغيرة، تضمن تحليق الطائرات الورقية في مسارات الطيران المثلى في جميع الأوقات. ومن خلال تغيير أطوال الحبال من طرف إلى طرف يتم التحكم في درجات فتح وغلق الطائرات الورقية، ويتم التحكم في درجات الميل عن طريق تغيير الطول بين المقدمة والمؤخرة. وعندما يلزم إنزال الطائرة الورقية، يتم تغيير درجة الميل لتنزلق الطائرة مرة أخرى إلى موضع البداية.
لكن ما مقدار الطاقة التي يمكن أن تولدها هذه الطائرات الورقية؟ تقوم الشركة حاليا ببناء نسخة من النظام قادرة على توليد 500 كيلوواط. تستخدم هذه النسخة طائرتين ورقيتين بعرض 16 مترا. وللمقارنة يبلغ قطر توربين الرياح القادر على توليد 500 كيلوواط نحو 54 مترا.
وهذه التوربينات ليست رخيصة، حيث يتم بناؤها في الأغلب من الفولاذ والمواد المركبة. وللحيلولة دون تلف توربينات الرياح أثناء هبوب الرياح القوية، يتم إيقافها عن العمل. في حين يمكن لنظام الطائرات الورقية المستحدث أن يعمل في ظل رياح بقوة الأعاصير. وفي حال تعرضه للضرر سيكون الحبل الرخيص نسبيا هو الجزء المتضرر، حتى بعد انقطاع الحبل ستكون الطائرة الورقية قادرة على الطيران بنفسها إلى الأرض، حيث تقع حجيرة التحكم في الطرف العلوي من الحبل.
ويجب أن تكون شفرات توربينات الرياح قوية بما يكفي لمقاومة كل من حركتي دوران وانحناء الرياح. وبدوره يحتاج البرج الحامل لها إلى أن يكون قويا بالقدر الكافي لحمل وزن الهيكل ومقاومة أحمال انحناء الرياح. وكل هذا النظام يحتاج إلى تدعيم قوي من خلال أساسات متينة سواء في البر أو البحر. وعند مقارنة ذلك بالنظام المستحدث نجد أن المكونات الرئيسة للنظام المستحدث الذي يعمل بالطائرات الورقية التي يقع عليها عبء الأحمال الكبيرة هي الحبال. أما المحطة الأرضية فلا تحتاج سوى أن تكون ثقيلة الوزن بالقدر الذي يمنع الطائرات الورقية من رفعها عن الأرض، ما يجعل النظام المستحدث أرخص بكثير.
ووجدت دراسة نشرتها الوكالة الدولية للطاقة المتجددة عام 2016 أن تكلفة كل ميجاواط/ساعة من الطاقة المولدة من الرياح البحرية تبلغ نحو 170 دولارا، ومن المتوقع أن تنخفض هذه التكلفة إلى نحو 95 دولارا بحلول عام 2030. في حين وجدت دراسة مستقلة أن نظام طاقة الطائرات الورقية يمكن أن يولد ميجاواط/ساعة بتكلفة تبلغ 62.5 دولار عام 2020، و50 دولارا بحلول عام 2030، ما يعني انخفاض تكلفة النظام المستحدث بشكل كبير عن تكلفة طاقة توربينات الرياح البحرية. وهذا الأمر قد يكون مفيدا خصوصا لدول مثل اليابان التي لا تتمتع بقدر كبير من المياه الضحلة المحيطة، حيث يراوح عمق الجرف القاري هناك من 50 إلى 200 متر، وهو عمق بعيد جدا بالنسبة لتوربينات الرياح البحرية التقليدية. ومن ثم يمكن نشر النظام المستحدث في هذه المناطق باستخدام منصة عائمة بسيطة يتم توصيلها بقاع المحيط بواسطة أسلاك قوية.
ويمكن تسليم النسخة الأرضية من النظام المستحدث على سطح مستو يمكن نشره في أقل من يوم، ما يعني إمكانية استخدامه في حالات الإغاثة في حالات الكوارث التي يتم فيها قطع أو انقطاع الطاقة. ولا شك أن هذا النظام المستحدث قادر على إحداث ثورة في مجال طاقة الرياح. وقد نقل عن بيل جيتس قوله، إنه يعتقد أن فرصة طاقة الطائرات الورقية في أن تصبح الحل السحري لأزمة الطاقة في العالم تصل إلى 10 في المائة.
إنشرها