Author

متى يكون التأثير ممكنا؟

|
المعلم، والممثل، والمذيع، والطبيب، وقناة التلفزيون، والوالدان، وموظف العلاقات العامة، كل هؤلاء، وغيرهم، يصنعون التاثير ويسعون إلى إحداثه، ومن المؤكد أنه لا يمكن إحداث التأثير بصورة تلقائية، ودونما شروط وخصائص يلزم توافرها فيمن يستهدف صناعة التأثير لدى الآخرين. ويمكن تصنيف الخصائص إلى نوعين، أولاهما خاص بالطرف المؤثر، حيث يلزم توافر الرغبة لديه في إحداث التغيير، وبذل الجهد لذلك، والسعي إليه بالوسائل كافة، مع التخطيط الجيد والمتقن، إضافة إلى توافر خاصية الكاريزما الجيدة. كما أن إلمام المؤثر بآليات التأثير وطرقه وأساليبه، يمكنه من اختيار الطريقة المثلى والمناسبة، فلكل فرد أو مجموعة ما يناسبها، وكما يقول المثل "لكل باب مفتاحه"، و"خاطبوا الناس بما يفقهون". الخلفية المعرفية للمؤثر يفترض أن تكون على مستوى عال، خاصة في المجال، حتى يتمكن من إحداث التغيير اللازم، وتجنبا للظهور بصورة هزيلة أمام من يرغب في التأثير فيهم.
عندما كنت طالبا في المرحلة الجامعية، تعاقدت الجامعة مع شخص يحمل درجة الدكتوراه من الاتحاد السوفياتي، أي أنه من ضمن من يعطون المنحة، والشهادة في الوقت نفسه، ليس لجدارتهم، بل ليكونوا سفراء للاتحاد السوفياتي. إلا أن البناء المعرفي له كان ضعيفا، حتى أنه لا يقرأ بشكل صحيح، وكانت محاضراته مملة، وغير ذات جدوى بإجماع طلاب الشعبة بكاملها، ولم يكن يحظى بالتقدير، والرضا، ومن حسن الحظ أنه لم يكمل إلا عاما واحدا، وقد خذلته خلفيته المعرفية، وكان تأثيره صفرا في تشكيل طريقة تفكير الطلاب، أو تبني أي نظرية، أو زيادة معرفة في المجال، بل إن المادة التي درسها كانت خسارة وبلا جدوى.
من مبادئ التأثير الأساسية إيجاد الثقة المتبادلة بين الطرفين، المؤثر والمتلقي، ومد جسور التقبل. فلو حدث وجود رفض، وعدم قبول من طرف للآخر، سيكون من الصعب إحداث التأثير، مهما بذل من جهد، وتنوع في الطريقة، وهذا المبدأ يجهله البعض، أو يتجاهلونه غير مدركين قيمته في إحداث التغيير المنشود، ويمكن الإشارة إلى أن نجاح العلاج النفسي والبدني يستند في الأساس إلى مبدأ ثقة المتعالج بالمعالج في علمه، ومهاراته، وأمانته، وحرصه على مراعاة الخصوصية، وعدم إفشاء الأسرار. ولذا، يعود فشل المعالج إلى افتقاد الثقة به.
إن سعي المؤثر إلى معرفة الطرف الآخر بجمع المعلومات الصحية والأسرية حوله، وخلفيته المهنية، ومستواه العلمي، وثقافته، وميوله، وصداقاته، يمكنه من إحداث التأثير المراد، كما أن نزول المؤثر لمستوى تفكير وثقافة الفرد الباحث عن التغيير، سواء كان تشافيا، أو تعديلا لسلوك، كالتدخين، أو الكذب - على سبيل المثال - يزيد من فرصة تقبل ما يقدمه من إرشادات ونصائح، واتباع برنامج التغيير الذي يرسمه.
الوقوف على احتياجات الطرف الآخر، واكتشافها بشكل دقيق، ليس أمرا هينا، إذ يحتاج إلى فراسة، ودقة ملاحظة، وأدوات موضوعية تشخص الحالة بشكل دقيق، وهذا ما يميز بين صناع التأثير الإيجابي الذي يسعى إليه الكثير، في حين أن البعض تكون نتائج الجهود والوقت والمال الذي يبذل، عكسية، وهذا مرده في الأغلب إلى قلة الخبرة وافتقاد المهارة، وضعف المعرفة، وسوء التخطيط.
التعامل برفق ولين مع الطرف المستهدف في التغيير يحدث التقبل، والثقة، ويزيد من متانة العلاقة بين الطرفين، خاصة إذا صاحب ذلك فسح المجال للطرف الآخر للتعبير عن ذاته، وإخراج مكنوناته وأسراره الدفينة، التي تعوقه عن الانطلاق، وتمثل أسباب الإخفاق الذي يعانيه، سواء في الوظيفة، أو العلاقات الاجتماعية، أو المشكلات العائلية، إذ قد تكون العلاقات الحدية التي تتعامل بها الأسرة مع أحد أبنائها، سبب الإخفاق والتعثر.
التأثير يحدث بصورة مباشرة، وغير مباشرة، فالمباشرة تكون على هيئة توجيهات وأوامر، من مثل افعل كذا، ولا تفعل كذا. وهذا الأسلوب ربما يواجه بالرفض، والعناد من الشخص الموجه إليه، على اعتبار ذلك تدخلا، واستنقاصا له. أما الأسلوب غير المباشر، فيعتمد على الإيحاء المتمثل في المثل القائل "إياك أعني، واسمعي يا جاره"، وأسلوب النماذج والقدوة. التغيير يحدث بالكلمة، والصورة، والفيلم، والمسرحية، والقصة، وبالسلوك، والفعل، متى ما أجدنا توظيفها بما يتناسب مع ظروف المستهدف كافة.
إنشرها