Author

توليد الوظائف أم تأسيس مشاريع الإنتاج؟

|
قطاعات العمل التي توفر وظائف للباحثين عن العمل كثيرة، ويمكن تصنيفها إلى مجالات رئيسة حسب الجهد المبذول من الإنسان، أولها المجال الإنتاجي المحسوس والمشاهد المتمثل في المصانع والمعامل والمزارع بغض النظر عن حجمها وعدد العاملين فيها، فالسيارات والطائرات والبواخر والأثاث والملابس كلها منتجات المصانع والمعامل، أما الحبوب والخضار والفواكه فمكان إنتاجها المزارع.
أما المجال الثاني فهو الخدمي ويتمثل في التعليم والطبابة والإعلام وورش إصلاح الأجهزة والمعدات وأعمال النظافة والصيانة. وتجدر الإشارة إلى أن القطاع الإنتاجي المحسوس تترتب عليه أنشطة كثيرة تقوم باستخدام المنتجات الأساسية وتحويلها إلى منتجات جديدة، كالحبوب حين تحول إلى أطعمة بأنواع ومذاقات وأشكال وألوان مختلفة مثل، الخبز والكيك على سبيل المثال.
الغابات الطبيعية وما فيها من حيوانات سواء كانت متوحشة مفترسة كالأسود والفهود والنمور، أو تلك المسالمة كالغزلان والأرانب والطيور القابلة للأكل من الإنسان، وكذا البحار والأنهار وما يوجد فيها من أسماك ونباتات ولؤلؤ، كل هذه الأشياء ليس للإنسان دور في إنتاجها ويقتصر دوره على صيدها وبيعها، أو تحويل فرائها وجلودها إلى منتجات كالملابس والأحذية، أو تحويلها إلى حلي، أو توظيفها في الخدمات الترفيهية كما في حدائق الحيوانات، أو رحلات السفاري للفرجة في المواقع الطبيعية كما في الرحلات البرية ورحلات البحر والغوص.
الرعي والإنتاج الحيواني سواء في زيادة الثروة الحيوانية، أو استثمار منتجات الأبقار والغنم كاللحوم ومنتجات الحليب تمثل صناعة مزدهرة تعتمد عليها اقتصادات كثير من الدول كالدنمارك وهولندا، اللتين تمتلئ أسواق العالم ببضائعهما الغذائية، ويوفر هذا المجال ملايين الوظائف في جميع التفرعات المهنية ذات العلاقة في هذا المجال.
مجال ثالث قد لا يكون واضحا للبعض دوره في توليد الوظائف، ألا وهو الإنتاج الفكري أو الإنتاج الناعم - رغم أن ما قد يتولد عنه من مهن قد تكون خشنة - المتمثل في تطوير النظريات واكتشاف القوانين والروايات والقصص وتأليف الكتب والشعر والمسرحيات، كل هذه وغيرها يعتمد عليها كثير من الأنشطة والمهن، فأعمال المسرح والسينما تقوم على القصص والروايات، وكذلك أعمال الطباعة ونشر المؤلفات والكتب، حيث يعمل الملايين في العالم في هذه الأنشطة وما يتفرع عنها من مهن دقيقة.
مجال الإنتاج الناعم ليس بالضرورة كل المهن والأنشطة المعتمدة عليه تكون ناعمة، فالمصارعة والملاكمة في أصلهما فكرة ناعمة تم تحويلها إلى رياضة خشنة تظهر آثارها على المشاركين فيها، رغم أن الحضور يستغرقون في الضحك والتسلي، وهذا ينطبق على مصارعة الثيران وما يترتب عليها من دماء وآلام للثور والإنسان.
قانون الجاذبية منتج ناعم بكل ما تعنيه هذه الكلمة ترتب عليه صناعة الطيران، التي أصبحت جزءا من حياة الإنسان المعاصر، ولولا هذا القانون لما طارت الطائرة، ولما تم مراعاة خصائص معينة في تصميم الطائرة، وهذا ينطبق على المراكب الفضائية والأقمار الصناعية التي تجوب الفضاء.
الإنتاج الفكري يسبق الإنتاج الخشن وفي أحيان كثيرة قد تتوافر عناصر طبيعية قابلة لتحويلها لمنتجات مفيدة، إلا أن افتقاد الفكرة الإبداعية تحرم الناس من الاستفادة من هذه العناصر، فالرمل الزجاجي موجود منذ أزمنة بعيدة، لكن لم يتم استثماره وتحويله إلى زجاج يستخدم في البيوت وصناعة السيارات وغيرها من المنتجات إلا في وقت متأخر، ومن الأمثلة الأخرى المواقع السياحية والأثرية قد توجد في بلد بكثرة، لكن افتقاد فكرة استثمار هذه المواقع وإيجاد برنامج عمل متكامل يحرم الوطن من فوائدها، ومع الوقت تتعرض الآثار للتدمير نتيجة عوامل التعرية وسلوك الإنسان.
رواد الإنتاج الناعم ليسوا بالضرورة مشاركين في إنتاج المنتجات الخشنة، بل قد يمر على هذه الأفكار أعوام طويلة دون أن يستفاد منها حتى يأتي من يبعثها ويعيد الحياة لها، ويمكن القول، إن توليد الوظائف ووفرتها نتيجة طبيعية لإيجاد أنشطة إنتاج جديدة تعتمد على التعرف على المواد الطبيعية المتوافرة في البلد، وكذا معرفة احتياجات الناس والوطن بكامله، أو جلب المواد ذات العلاقة بالنشاط، أو الحاجة من مكان وجودها.
إنشرها