تجارة تحت «بشت» الصناعة
خيار الصناعة كركيزة أساسية للتنمية ولتنويع مصادر الدخل معلن حكوميا منذ زمن طويل، ولذلك وفي حينه شرعت الدولة أنظمة دعم وشراء حكومي وإعفاء وقروض، للنهوض بهذا القطاع. لكن الصناعة بدون توطين تقنية وفتح فرص استثمارية لصناعات صغيرة تزودها ببعض المواد خاما أو مصنعة، لا تحقق الهدف الحقيقي لخيار التصنيع خاصة مع محدودية التوظيف في هذا القطاع واعتماده على عمالة أجنبية بشكل أساس. الحاصل أن كل حزمة الدعم تقريبا - وفي الغالب الأعم - استغلت لتجارة تحت ستار التصنيع. استيراد قطع" أو مكونات" وتجميعها" أو خلطها وتغليفها" بعد الحصول على مختلف صنوف الدعم. وكان هذا مقبولا ومتفهما لفترة من الزمن يفترض ألا تطول لتقف هذه المصانع على أرجلها، لكن الواقع أنها استمرت حتى أصبحت هي الصورة الفعلية للصناعة المحلية.
ولو وضعت أرقام الدعم بمختلف صنوفه مقابل الحصيلة، لعلمنا مقدار هزالة النتيجة، هذا في جانب نسبة المكونات المحلية في الصناعة وتوفر فرص نمو صناعات صغيرة، وفي الجانب الآخر لم تقدم هذه الصناعات حلولا أو ابتكارات لاحتياجات داخلية تفرضها ظروف وبيئة الوطن ونمط الاستهلاك فيه. وعلى سبيل المثال لا الحصر لم تقدم صناعات الخزف لزمن طويل حلولا مبتكرة لترشيد المياه، حتى في صناديق الطرد "السيفون" اكتفت باستيراد قوالب خارجية إلى أن صدرت مواصفات محلية تجبرها على ذلك، ولم تبتكر "عوامة" محلية وهي من أهم وسائل ضبط ترشيد الماء. وفي المكيفات والسخانات لم نر تغييرا ابتكاريا يذكر يستجيب لمناخنا مثلا قدرات تبريد أكبر أو يستغل الطاقة الشمسية، وما زالت الثلاجات تستورد مفككة ثم يتم تجميعها وكتابة "صنع في السعودية" عليها. كل ما يحدث هو استنساخ مطابق لمنتجات شركات أجنبية عمل مطوروها في الأساس على الاستجابة لأوضاع دولهم ومحيطهم من الأسواق القريبة، ورغم أن بلادنا في مقدمة الدول في استخدام تحلية المياه المالحة للشرب منذ زمن بعيد، إلا أن الأمر لم يتطور إلى إيجاد صناعات وطنية توطن هذه التقنية ثم تطورها.
إن خيار التصنيع خيار استراتيجي لا شك في ذلك، ولا بد من تصحيح مساره ونهجه ليحقق الأهداف، لقد بدأنا صناعات التجميع" ثلاجات سيارات مكيفات وغيرها" قبل ماليزيا أو في وقت قريب من بداياتها، وها هي منذ أعوام تصدر لنا ولغيرنا، وهذه المنتجات مجرد أمثله لتوضيح الحاجة إلى تصحيح المسار، لأنها توقفت عند استغلال حزم الدعم ولم تتمكن أو ترغب أو تهتم بالتطوير وزيادة المكون المحلي والتركيز على الابتكار، دون انعكاس أثر إيجابي معقول لا في أسعار المنتج ولا في توظيف موارد بشرية أو مكونات محلية، لتتحول إلى تجارة بستار الصناعة الوطنية المدعومة.