استثمار المياه العادمة في إنتاج الطاقة

لا شك أن القرارات التي تتخذها أي مؤسسة بخصوص إنتاج الطاقة وزيادة كفاءة استخدامها لا تعد قرارات حكيمة من الناحية الاقتصادية فحسب، بل تظهر أيضا تحلي المؤسسة بالمسؤولية تجاه المجتمع المحلي، وتحدث شعورا بالفخر بين الموظفين، وتقلل من البصمة الكربونية العالمية.
ويعد قطاع المياه الدنماركي من أكثر القطاعات استدامة في العالم، ويهدف القطاع إلى أن يصبح قبل حلول عام 2030 محايد التأثير من حيث كل من المناخ والطاقة. ويأتي هذا الهدف الطموح كجزء من مبادرة المناخ التي أطلقتها الحكومة الدنماركية التي تعهدت بموجبها بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في البلاد بنسبة 70 في المائة بحلول عام 2030.
وجهود تحقيق الإدارة المستدامة لمياه الصرف الصحي في الدنمارك مستمرة منذ أعوام. وتعد شركة آرهوس فاند من شركات المرافق الدنماركية التقدمية التي تعمل منذ عقود بشكل استراتيجي لتطوير مرافق محايدة من حيث الطاقة. وقد بدأت هذه الجهود بتحد لتوفير الطاقة وزيادة كفاءة استخدامها، والآن بعد أعوام من العمل المتواصل أعلنت الشركة أن انبعاثات غازات الدفيئة أصبحت أقل بنسبة 77 في المائة مما كانت عليه عام 2008.
وتنتج محطة معالجة مياه الصرف الصحي الخاصة بالشركة في مارسيليسبورج الآن طاقة أكثر بنسبة 50 في المائة مما تستخدمه. ومن خلال تنفيذ حلول موفرة للطاقة وإنتاج الغاز الحيوي، يمكن تقريبا تغطية استهلاك الطاقة لدورة المياه بأكملها من أول استخراج المياه الجوفية وصولا إلى محطات ضخ وتوزيع المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي.
وتعمل الشركة بجد لتحسين عملياتها منذ عقود، واليوم وصلت الشركة بالفعل إلى الحياد كمرفق للمياه والصرف الصحي، بما في ذلك مباني المكاتب والمركبات وما إلى ذلك.
وأشار مدير المشروع إلى أن الرغبة في تحول الشركة إلى شركة مرافق مستدامة تنبع من ثلاثة عوامل هي الاقتصاد والمسؤولية والفضول. وشرح ذلك قائلا "أولا وقبل كل شيء يجب أن تمثل هذه الرغبة استثمارا جيدا من المنظور الاقتصادي. وثانيا تقع على عاتقنا مسؤولية كمرفق لتوفير مياه صحية وصالحة للشرب لمجتمعنا. وثالثا علينا الاستمرار في تمكين موظفينا وإعطائهم الرغبة في التحسين والتجويد، بدلا من تلبية المتطلبات فقط، ويأتي الابتكار والفضول كعاملين أساسيين في قيادة مرفق مستدام. لكن بالنسبة لشركات المرافق التي لا تستهدف الوصول إلى الاستدامة، يجب أن يكون تحسين الأداء على الأقل دافعا مستمرا.
ومنذ عام 2014 تزور شركات المرافق الأمريكية الدنمارك في إطار برنامج التوعية التابع للتحالف الدنماركي لتقنية المياه، وقطعا ليست الدنمارك مثل الولايات المتحدة، لكن خبراتها في هذا المجال واضحة، كما أن أفضل الممارسات والممارسات المستقبلية في الدنمارك قابلة للتطبيق أيضا في الولايات المتحدة.
وكانت إحدى شركات المرافق من ولاية إيلينوي الأمريكية واحدة من الشركات التي شاركت في وفد توجه إلى الدنمارك، واطلعت بالفعل على فوائد توفير وإنتاج الطاقة. وقبل 12 عاما بدأت الشركة التحول إلى رحلة التخلص التام من الانبعاثات عندما تم تركيب مضخات هواء توربينية عالية الكفاءة وناشرات فقاعات الهواء الدقيقة في مرافق الشركة.
وقد كانت الفائدة المتحققة الأكثر وضوحا هي الأموال التي تم توفيرها من فواتير كهرباء الشركة، أما الفوائد الإضافية فهي الصورة العامة الجيدة للشركة وشعور الموظفين بالفخر وارتفاع معنوياتهم. كما أن الشركة تلقت منحة نقدية من مؤسسة مجتمع الطاقة النظيفة في إلينوي، كونها منشأة تنتج طاقة دون أي انبعاثات. وكجزء من برنامج المنحة أنشأت الشركة مركزا تعليميا يقدم برامج حول كيفية التخلص التام من الانبعاثات في إنتاج الطاقة، وسيتم استخدام هذا المركز خلال جولات الشركة لتثقيف الطلاب وكذلك الجمهور حول كفاءة الطاقة.
وفضلا عن تنفيذ الحلول الموفرة للطاقة كان أحد العناصر الرئيسة في جهود الحد من استخدام الطاقة وانبعاثات غازات الدفيئة، هو تركيب وحدات دنماركية مدمجة للتدفئة والطاقة فعالة من حيث التكلفة لبدء إنتاج الطاقة. وقد أدى تشغيل هذه الوحدات إلى تحول بعض التركيز عن أعمال معالجة مياه الصرف الصحي، حيث تم تدريب بعض الميكانيكيين على صيانة وتشغيل وحدات التدفئة والطاقة مع التركيز على الهضم المشترك وتنظيف الغاز. وقد شهد هذا التحول بعض التحديات الأولية، لكن في النهاية ثبت أن التغييرات كانت تستحق العناء على عدة مستويات، حيث تغيرت عقلية الموظفين للأفضل بعد أن كانت لديهم أرقام صعبة التحقيق بخصوص كمية الكهرباء التي يمكن توفيرها وإنتاجها والأموال الناتجة التي يمكن توفيرها. كما أن تنظيم الجولات للجمهور ساعد أيضا على تحسين عقلية الموظفين، حيث أعجب الزوار كثيرا بأنشطة الهضم المشترك وتحويل الشحوم إلى كهرباء. وبشكل عام يتطلب الأمر جهودا أكثر بكثير من المعتاد، لكن انتاب العاملين شعور بالفخر بشأن الأشياء العظيمة التي حققوها.
إن تطوير محطات معالجة مياه الصرف الصحي المستدامة وإطلاق العنان لإمكانات المياه العادمة ليس أمرا يمكن تحقيقه بين عشية وضحاها، بل يتطلب العمل الجاد والاستثمارات الضخمة وتطوير الموظفين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي