حرق الغاز .. الأعباء كبيرة

ما زال حرق الغاز دون فائدة منتشرا في كثير من دول العالم، ويشكل هدرا لهذا المنتج الحيوي. ووفقا للإحصائيات المتوافرة، يمثل الغاز الذي يتم حرقه في حقول النفط والغاز نحو 5 في المائة من الإنتاج العالمي من الغاز الطبيعي، ولو استخدمت هذه الغازات لتوليد الكهرباء، لغطت - مثلا - احتياجات القارة الإفريقية. وعلى الرغم من أن تفشي وباء كورونا المستجد، أسهم بصورة أو بأخرى في خفض الانبعاثات الكربونية في البيئة العالمية، إلا أن هذا الخفض كان لفترة قصيرة محسوبة بالمدة التي تمت فيها إغلاقات الاقتصادات حول العالم لمحاصرة الوباء.

ومع عودة الحراك الاقتصادي في أغلبية الدول، عادت التأثيرات السلبية إلى الانبعاثات في البيئة بالخطورة نفسها التي كانت عليها قبل انفجار هذه الجائحة.

فالإغلاق لا يمكن أن يكون دائما، لأنه ضرب في الواقع حتى بعض القواعد الاقتصادية لكثير من الدول، وأضاف أعباء كبيرة على كاهل الحكومات، ورفع من حجم العجز في الموازنات، وزاد من معدلات البطالة، وغير ذلك من انعكاسات اقتصادية سلبية. بمعنى، أنه لا يمكن المراهنة على توقف الحراك الاقتصادي من أجل حماية البيئة التي تواجه مخاطر شتى من جهات مختلفة. من هذه الجهات، الغاز الذي يحرق في استخدامات متنوعة، ولا سيما في عمليات إنتاج الطاقة.

فحرق الغاز ارتفع إلى مستويات غير مسبوقة منذ عام 2009. ووفق البيانات المسجلة، بلغ حرق الغاز 150 مليار متر مكعب، أو ما يعادل استهلاك الغاز السنوي في إفريقيا وجنوب الصحراء. ومنذ عام 2018، ارتفع مستوى الحرق المشار إليه 3 في المائة، وجاءت الولايات المتحدة في المقدمة في هذا المجال، وبعدها أتت فنزويلا، ومن ثم روسيا.

فضلا عن الزيادة الكبيرة في حرق الغاز في دول تعاني حروبا أهلية واضطرابات أمنية. وحرق الغاز، هنا، يعني حرق الغاز الطبيعي المرتبط باستخراج النفط، الذي يؤدي إلى إطلاق أكثر من 400 طن مكافئ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون كل عام، ويخلف آثارا ضارة بالبيئة عبر انبعاثات غاز الميثان غير المحترق والكربون الأسود. والمشكلة التي تواجه العالم كله في مواجهة هذه الأزمة المتصاعدة، أن الحلول والبدائل تبقى صعبة أو غير اقتصادية في عدد ليس قليلا من الدول، مع احتمالات متزايدة بتهميش الاستدامة والمناخ.

وهذا ما يضيف أعباء كبيرة على كاهل الحراك الدولي الهادف إلى تقليل الانبعاثات بما يتواءم مع الاتفاقيات العالمية في هذا المجال، ولا سيما تلك التي أبرمت في قمة باريس الدولية في عام 2015.

فلا يمكن أن تتحقق الخطوات المأمولة في مجال الحفاظ على البيئة، أو تقليل الأضرار التي تستهدفها، إلا بإنهاء حرق الغاز بصورة معتادة نهائيا.

ولذلك، تقف الجهات الدولية عاجزة عن حل هذه المعضلة، لأنها تحتاج في النهاية إلى آليات متماشية مع قدرات الدول كلها وإمكاناتها الاقتصادية، بما يضمن لها الإنتاج بعيدا عن الحرق لهذه المادة الحيوية من الطاقة. بالطبع، هناك دول تعتمد حرق الغاز بمستويات مرتفعة، وأخرى أقل منها، في عمليات الإنتاج النفطي، ومن هذه الدول روسيا والعراق والولايات المتحدة وإيران، التي تمثل نحو 45 في المائة من جميع عمليات حرق الغاز عالميا.

وهناك كثير من المبادرات للحد من حرق الغاز، خصوصا في الدول التي تتصدر قائمة الأكثر حرقا لهذه المادة المهمة، بما في ذلك تحركات جادة وعملية من جانب مؤسسات كبرى، كالبنك الدولي، ما أسس لشراكات محورية في هذا الميدان. فالهدف في النهاية يبقى هو إنهاء الحرق التلقائي للغاز، وتم بالفعل وضع جدول زمني لتحقيق ذلك ينتهي بحلول عام 2030.

كما أن هناك تعهدات من أكثر من 80 حكومة حول العالم، للوصول إلى الهدف بإنهاء الحرق، وإلى الأبد. فعمليات الحرق هذه تستخدم في الواقع منذ 160 عاما، وبحسب الجهات البيئية الدولية، آن الأوان لوقفها نهائيا، وتحويل استخدام الغاز إلى ميادين أخرى محورية ومعيشية ضرورية.

إن حرق الغاز هو، حرق لثروات بشرية تقدر سنويا بمليارات الدولارات، ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن حرقه يسهم في زيادة انبعاث الغازات الدفيئة، ويضر بالبيئة المحلية في كثير من الدول دون أي فائدة للبشرية.

وبغض النظر عن الشكوك حول كيفية قياس حرق الغاز، يبدو الآن هو الوقت المثالي للبدء باتخاذ إجراءات أكثر صرامة ووضوحا للحد من ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي