Author

التعدين .. بـ «الرؤية» يتحقق الاستثناء

|

قبل أربعة أعوام، ومع انطلاق رؤية المملكة 2030، تحدث ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بلغة الواثق، بأن قطاع التعدين سيمثل المستقبل الاقتصادي المتين للمملكة، فلدينا فرص تعدينية مذهلة، ونحن نملك 6 في المائة من احتياطيات اليورانيوم العالمية، إضافة إلى الذهب، والفضة، والنحاس، والفوسفات، وغيرها من المعادن، التي لم يستغل منها إلا 3 أو 5 في المائة.

كان حديث ولي العهد، بمنزلة إعلان تحد للاقتصاد السعودي، ذلك أن هذا القطاع كان يحتاج إلى عمل جبار من أجل إطلاقه من عقاله، وإخراجه من بين معوقاته، وهذا يتطلب استثمارات كبيرة، كما يتطلب تغيرات هيكلية وقانونية واسعة النطاق. وبالفعل، اكتسب قطاع المعادن والتعدين، أهمية متزايدة، وشهد نموا كبيرا خلال الأعوام الماضية، وحظي هذا القطاع بفرص نمو هائلة، تماشيا مع رؤية 2030 للسعودية، ويجسدها توجه إسهام قطاع التعدين في الاقتصاد الوطني بطاقاته كاملة.

إضافة إلى ذلك، تمر البلاد بتنوع صناعي واقتصادي كبير، من شأنه أن ينمي قطاعات صناعية كثيفة الموارد، مثل الآلات الصناعية والمعدات الكهربائية والسيارات، وغيرها من الصناعات. واليوم يمكن القول بكل ثقة، إنه أصبح لدينا قطاع اقتصادي واعد وقوي، ولدينا محرك اقتصادي جبار، سيكون له المستقبل - كما وصفه مهندس "الرؤية"، بـ"النفط الآخر". فعلى الرغم من جائحة كورونا، التي عصفت بكل شيء تقريبا، وأوقفت نمو القطاعات كلها، وتراجع الإنتاج، وتوقفت سلاسل القيمة، وكل هذه الظروف الاستثنائية تماما، ظهر قطاع التعدين بشكل مخالف تماما، ونما خلال الربع الأول من العام الحالي 3.1 في المائة، وهي نسبة قياسية مقارنة بالأعوام الماضية لهذا القطاع.

وإذا أضفنا هذه النسبة إلى نسب النمو القوية لهذا القطاع منذ أعلن ولي العهد، خططه للقطاع، فإنه حقق نسبة نمو تتجاوز 21 في المائة، وهذا النمو القوي جدا خلال أربعة أعوام فقط، يضعنا أمام واقع اقتصادي جديد تماما، وأن المسار الذي رسمه الأمير محمد بن سلمان، وتصوراته عن الاقتصاد السعودي خارج خريطة النفط، يسيران بشكل صحيح، وأننا نشهد اليوم الاقتصاد السعودي وهو يسير بقوة خارج حسابات النفط وخارج قيوده. وهنا، نشرت "الاقتصادية" تحليلا متكاملا عن نمو الناتج المحلي لقطاع التعدين 21.4 في المائة منذ إطلاق "الرؤية" في نيسان (أبريل) 2016، أي خلال أربعة أعوام، فرفعت السعودية إنتاجها من الذهب 143 في المائة، ليبلغ 12.35 ألف كيلوجرام في عام 2019، مقارنة بنحو 5.09 ألف كيلوجرام في عام 2015، قبل إطلاق "الرؤية"، وارتفع الإنتاج السعودي من الفضة ليبلغ 5.59 ألف كيلوجرام في 2019، حيث كان 4.5 ألف كيلوجرام في عام 2015، وبناء على بيانات حقيقية هناك زيادة مؤكدة في النحاس والزنك، وغيرهما من المعادن. كما ازداد اهتمام المملكة بالمعادن النادرة، التي تمثل المصدر الأهم للصناعات الحديثة والدقيقة.

هذه الإنجازات لم تأت بمجرد إعلان رؤية المملكة 2030، بل هي نتيجة عمل ضخم تم تكريسه من أجل تحقيق "الرؤية"، بدءا بنظام الاستثمار التعديني، وإنشاء صندوق التعدين.

كما فصلت "الاقتصادية" في تقارير عديدة، نمو رخص التعدين لتتجاوز ستة آلاف رخصة في عام 2019، وبلغت الرخص في مجال الكشف، بإصدار ما يزيد على 1600 رخصة، وهو ما يشير إلى الاهتمام المتزايد من قبل المستثمرين بهذا القطاع، خاصة بعد إعادة هندسة الإجراءات وتقليص الخطوات اللازمة لها بطريقة تكاملية.

وفي ظل هذه الأرقام المبشرة جدا، فإنه من المتوقع أن يحقق هذا القطاع نموا كبيرا، خاصة مع بدء ارتفاع أسعار المعادن عموما، في ظل أزمة كورونا، حيث ارتفع الذهب نحو أرقام قياسية، ما سيجد أثره الواضح في قيمة الناتج المحلي لهذا القطاع.

كما يؤكد نجاح "الرؤية" في رسم معالم الاقتصاد السعودي وتوفير ضمانات كثيرة لاستدامته، فالمتوقع أن يرفع هذا القطاع من إسهاماته في الناتج المحلي الإجمالي إلى 240 مليار ريال، وأن يسهم في خفض الواردات بنحو 37 مليار ريال، وأن يولد أكثر من 200 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة بحلول عام 2030.

ونظرا إلى العلاقة العكسية بين أسعار المعادن، ومن بينها الذهب، وأسعار النفط، فإن أي اقتصاد حديث يتمكن من بناء توازن مثالي بين هذه القطاعات، سيحقق استدامة ومتانة تجنبه الصدمات، بسبب تقلبات الأسعار فيما بينها، وإذا أكملت "الرؤية" عناصرها في بناء قطاع صناعي تحويلي، فإننا أمام نهضة اقتصادية لم يشهد لها العالم مثيلا.

إنشرها