محاربو الفقر والمشاريع الخيرية «3 من 3»
تشير دوفلو إلى أن المبادئ العامة، التي غالبا ما تسترشد بها المؤسسات الدولية - مثل الديمقراطية والحوكمة الرشيدة - قد لا تكون فعالة بالدرجة الكافية، لأنها عامة للغاية. ويمكن للاقتصاديين تحقيق مزيد من النتائج الملموسة من خلال إصلاح القنوات والوصلات الداخلية، أي هذا الجزء في أي نظام الذي دائما ما يتم إغفاله ولا يلاحظ وجوده إلا عندما يصيبه عطل ما. وكان عنوان المحاضرة "دور الاقتصادي کموظف صيانة".
وتتمثل إحدى المشكلات، التي تواجه التجارب العشوائية المقارنة في أن الإجابات الصغيرة قد لا تستطيع مجتمعة معالجة المشكلة الكبيرة. وهناك أيضا مشكلة أخرى تتمثل في أن الاستنتاجات قد تكون وثيقة الصلة بمحل إجراء البحث. فنتائج إحدى دراسات الملاريا في كينيا قد لا تنطبق مطلقا على البرازيل، على سبيل المثال، وهو ما يعرف بمشكلة "النقل" في لغة الاقتصاديين.
وفي مقال صدر لأنجوس ديتون العام الماضي، وهو عالم اسكتلندي بارز في مجال اقتصادات التنمية وحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2015، كتب يقول "إن إثبات نجاح حل ما في موقف معين دليل ضعيف للغاية على نجاح الحل نفسه بالشكل نفسه في موقف آخر".
وكتب ديتون عددا من الدراسات ناقش فيها تحفظاته على الاختبارات العشوائية، وأشار في المقال نفسه إلى أن السبيل الوحيد لتطبيق نتائج دراسة ما في سياق جديد يكون من خلال استخدام "المعرفة والفهم المسبقين" وتفسير نتائج التجربة "ضمن هيكل معين، وهو، على سبيل المفارقة، الهيكل نفسه الذي تكتسب الاختبارات العشوائية المقارنة مصداقيتها من رفض استخدامه".
تم تعيين داليوال، المدير التنفيذي لمعمل عبداللطيف جميل لمكافحة الفقر، منذ 11 عاما لمعالجة هذه المشكلة تحديدا. وداليوال اقتصادي هندي، سريع التحدث، حاصل على درجات علمية من جامعتي دلهي وبرينستون، وهو متزوج من جيتا جوبيناث، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي.
ويقول داليوال "عندما عينتني إستير عام 2009، كانوا قد أدركوا بالفعل أن تحول النتائج البحثية إلى إجراءات على مستوى السياسات يتطلب مزيدا من الجهد القائم على التفكير والتحليل". ولسد هذه الفجوة، يتعين إتاحة الشواهد التي يتم التوصل إليها لصناع السياسات، والتحقق من صحتها بمقارنتها بدراسات أخرى في سياقات مختلفة. ويضيف داليوال أنه يتعين أيضا مراقبة التنفيذ للتحقق مجددا من سلامة السياسات المطبقة.
وعند سؤالها عن الطريقة المثلى لسد الفجوات بين البحوث والسياسات وبين الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي، تشير دوفلو إلى نسخة من كتاب Good Economics for Hard Times.
وتقول "هذا الكتاب وكتاب Poor Economics يصفان ما تعلمناه عن كل موضوع بصورة منطقية تتيح فهم جميع هذه الموضوعات". ويتضمن كتاب Good Economics for Hard Times مجموعة كبيرة من البحوث بغرض نبذ جميع الافتراضات المعتادة بشأن موضوعات مثل الهجرة والعمالة والتجارة. ويوضح الكتاب أن خبراء الاقتصاد يتوصلون غالبا إلى حلول لكثير من المشكلات، ولكنهم يظلون غير قادرين على كسب ثقة الجماهير العريضة. ويعزو بانيرجي ذلك إلى أوجه القصور في تخصصه.
ويقول "إن المواطنين يثقون برواية الشعبويين، نظرا لأنهم أصبحوا لا يثقون بآراء الاقتصاديين".
وتقول دوفلو إنها تأمل أن يسهم التكريم بجائزة نوبل في تحقيق "نقلة نوعية" لمعمل عبداللطيف جميل مستقبلا ومساعدته على توسيع نطاق عمله ليشمل مجالات مثل تغير المناخ ودعم الحكومات في تحسين جودة البيانات الضخمة، التي تقوم بجمعها واستخدامها بشكل أفضل.
ويمكن تطبيق طريقة معمل عبداللطيف جميل في تفكيك المشكلات الكبيرة إلى مسائل أصغر على مشكلات عالمية مثل تغير المناخ. وتشير الدراسات الميدانية التي تم إجراؤها في المكسيك وويسكونسن وميشيجان إلى أن تقنيات تحسين كفاءة استخدام الطاقة في الوحدات السكنية لا تحقق الوفورات المقررة. ولا يلجأ كثيرون إلى إجراءات مثل استخدام الأجهزة الحديثة أو تعديل بنية المساكن أو استخدام مواد العزل للوقاية من تقلبات الطقس. حتى عندما يتم استخدامها، فإن مكاسب الكفاءة المتحققة منها تتم موازنتها بسبب زيادة الاستهلاك.
وبالمثل، يشير بحث تم إجراؤه في الهند إلى أن المزارع الصغيرة، التي حصلت على المشورة والقروض لشراء معدات جديدة أكثر كفاءة تمكنت من زيادة إنتاجها وأرباحها، لكنها لم تنجح في توفير الطاقة. والسبب في ذلك، وفق دوفلو، أن "سلوكيات الترشيد" غالبا ما لا يتم قياسها بدقة عند تقدير المنافع المحتملة.
مشكلات أكبر بدءا من منتصف آذار (مارس) الماضي، أغلق معمل عبداللطيف جميل أبوابه على غرار باقي العالم لوقف انتشار جائحة كوفيد - 19. واتخذت المنظمة إجراءات سريعة لتعديل نظام عملها، بما في ذلك سحب العاملين من الأنشطة الميدانية وزيادة عدد المسوح، التي يتم إجراؤها عبر الهاتف. كذلك وفرت التمويل اللازم لإطلاق مبادرات بحثية جديدة، مثل التحويلات النقدية، ونظم تحديد الهوية الرقمية، والممارسات الحكومية المبتكرة. وأثارت الجائحة مجموعة جديدة من المشكلات الكبيرة، واتضحت معها أهمية الإحصاءات الدقيقة والحديثة، ويقول داليوال إن الجائحة أكدت أيضا ضرورة استخدام البيانات الإدارية الحكومية في تحسين عملية صنع القرارات وتبادل النتائج "بشكل أسرع وأقل تكلفة مقارنة بالأساليب المستخدمة في سياق العمل الميداني".
ويضيف داليوال قائلا: إن العالم ما بعد کوفید - 19 سيعيد تقييم دور الحكومات وقيمتها في الأزمات، ما سيؤدي إلى تحسين الإدارة العامة وإدراك أهمية الحماية الاجتماعية بشكل أكبر.
ويقول "خلال الأعوام القليلة الماضية، تم إطلاق عديد من المبادرات الخيرية الجديدة بناء على اعتقاد أن الحكومات غير ضرورية ويمكن تجاهل دورها. ولكن اتضح من هذه الأزمة أنه يتعين علينا جميعا الاستثمار في بناء قدرة الحكومات على صنع قرارات سليمة والصمود في مواجهة مثل هذه الأحداث الخطيرة. وأشار كمثال إلى القدرة على تقديم تحويلات نقدية سريعة في حالات الطوارئ، وهو الأمر، الذي شكل تحديا كبيرا حتى بالنسبة لبلد مثل الولايات المتحدة.