الإنترنت في الشرق الأوسط أثناء أزمة كورونا
في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تعد الأسر الفقيرة هي الأكثر تأثرا بفيروس كورونا المستجد، حيث تعيش على الأرجح في مناطق مكدسة، وفي الأغلب مع أقارب مسنين، وتعتمد على فرص العمل في القطاع غير الرسمي دون تأمين صحي. إلا أنه قلما يسمع صوت هذه الأسر في المسوح التي باتت أكثر اعتمادا على استخدام الإنترنت في جمع البيانات.
الزيادة السريعة في الوصول إلى الإنترنت تتيح الفرص بقدر ما تشكل تحديا في مجال المسوح الاجتماعية والاقتصادية. وهناك اهتمام واضح بأنماط جمع البيانات أثناء جائحة فيروس كورونا. فالمسوح الإلكترونية تتيح للباحثين أداة أرخص نسبيا للتقييم السريع في سياق بات فيه جمع البيانات وجها لوجه ضربا من المستحيل. من هنا جرى عديد من هذه المسوح ونشرت نتائجها على نطاق واسع. لكنها تظل دون مستوى تمثيل عديد من الفئات التي يساورنا القلق بشأنها، كالفقراء والمحرومين وسكان الريف أو المناطق العشوائية والنساء. ولتوضيح هذه النقطة فإننا ننظر إلى اتجاهات استخدام الإنترنت بين مختلف الشرائح السكانية في الدول النامية في المنطقة.
ووفقا للاتحاد الدولي للاتصالات، فإن استخدام الإنترنت في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يراوح بين 30 و80 في المائة، هذه الأرقام قد تخفي التباين في كثافة الاستخدام في كل بلد. وللتحقق من ذلك، فحصنا البيانات المتاحة من عام 2018 إلى 2019 في الباروميتر العربي الذي يجمع معلومات عن اتجاهات وقيم المواطنين في الدول العربية. وهناك عدد معتبر ممن استجابوا للمسح يستخدمون الإنترنت أياما قليلة في الأسبوع أو ربما أقل: 30 في المائة في الجزائر، على سبيل المثال. إذا اتضحت السمات المميزة لمستخدمي الإنترنت بشكل غير منتظم، فسيتبين أن هناك بعض التحيز في البيانات التي يتم تحصيلها من خلال المسوح الإلكترونية.
السكان قد يختلفون في النطاق من بلد لآخر. ومجموعة الدول العربية المستخدمة من جانب الاتحاد الدولي للاتصالات هي مجموعة واسعة، حيث تضم دول الخليج الغنية وأيضا دولا إفريقية فقيرة كالصومال والسودان وجزر القمر.
التفاوت في استخدام الإنترنت يمكن أن يعكس أيضا محل الإقامة أو الظروف الاجتماعية والاقتصادية للأسرة. قصور البنية التحتية في المناطق الريفية، وتفشي الجهل بالكمبيوتر، وضيق ذات اليد في الحصول على الأجهزة الإلكترونية أو الاشتراك في الإنترنت، كلها يمكن أن تحد من إمكانية الحصول عليها.
ولاستكشاف هذين البعدين، نستعين ببيانات الباروميتر العربي عن الفروق بين المناطق الحضرية والريفية وأحدث مسح لميزانيات الأسرة كي نفهم التفاوت في مستويات الرفاهية.
ثمة عديد من القيود التي تحد من استخدام مسح ميزانيات الأسرة لقياس استخدام الإنترنت. أولا، أغلب المسوح تجمع المعلومات على مستوى الأسر. ثانيا، في عديد من الدول، ينصب السؤال فقط على استخدام الإنترنت في المنزل، بينما لا يتم تسجيل الربط عبر الهواتف المحمولة. ومع هذا يظل من المفيد التعرف على كيفية تباين الاستخدام بين مختلف الفئات الاجتماعية، حتى لو كانت المستويات منحازة نزوليا بشكل عام.
ونلاحظ وجود فجوة في استخدام الإنترنت بين الريف والمدن في جميع دول المنطقة تقريبا. الاستثناء الوحيد يخص المناطق التي يغلب عليها طابع المدينة في كل من الأراضي الفلسطينية ولبنان. كما يتجلى التباين في الدخل كعامل بارز، حيث يزيد نصيب الفئات الأكثر ثراء من استخدام الإنترنت كثيرا مقارنة بنصيب الفقراء. هذه الفجوة قد تتسع بعشرة أضعافها بين الـ 50 الأكثر ثراء والأشد فقرا.
إذن، كيف يتسنى للباحثين وواضعي السياسات جمع المعلومات بأمان أثناء جائحة كورونا، وفي الوقت نفسه تجنب التحيزات المصاحبة لجمع البيانات عبر الإنترنت؟ الخطوة الأولى، هي التعرف على الانحيازات في بياناتك، والتحقق من الفئات السكانية التي يتم التواصل معها، ومحاولة فهم مدى تمثيل إجاباتها لها. كما نقترح الاستعانة بمصادر عديدة من أجل الاستدلال الصحيح والحصول على تغطية أفضل من خلال: إجراء مسوح متوازية عبر الهاتف والإنترنت، إجراء مقابلات مع مقدمي خدمات الإنترنت والسلطات المحلية، أو توجيه المسوح الهاتفية نحو فئات معينة من السكان، كالمستفيدين من برامج المساعدات الاجتماعية، أو المعوقين، أو الشرائح الأشد فقرا، أو المسنين... إلخ.
لا ينبغي أن نحجم عن الاستعانة بالمسوح عبر الإنترنت. فبإمكانها أن تلعب دورا مهما في سرعة جمع المعلومات على مستوى الأسر والأفراد. لكن حتى مع التوسع السريع في الوصول إلى الإنترنت، تظل نتائج هذه المسوح تعكس بدرجة أكبر على الأرجح آراء الرجال وسكان المدينة والفئات الأكثر ثراء. ينبغي أن نأخذ هذا التحيز في الحسبان، إذ قد نغفل آراء بعض الفقراء والضعفاء الذين نهتم أكثر أن نسمع منهم.