Author

الاقتصاد العالمي .. الصورة قاتمة

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"الاقتصاد العالمي يواجه خسائر هائلة، والتعافي سيعرقله نقص في الأموال".
ديفيد مالباس، رئيس البنك الدولي

تجمع المؤسسات الاقتصادية الدولية المختصة على أن العام الجاري هو الأسوأ في تاريخ الاقتصاد العالمي، منذ الحرب العالمية الثانية. حتى تقديرات الخسائر الناجمة عن الأزمة الاقتصادية التي خلفها وباء كورونا المستجد، لم تكن متفاوتة كثيرا بين هذه المؤسسات. الخسائر كبيرة، وآثارها أكبر، وتداعياتها المستقبلية ستكون على مساحة زمنية طويلة. والاقتصاد العالمي لم يكن في الواقع بخير قبل كورونا. فقد كان يعاني تراجع النمو، فضلا عن التأثيرات السلبية للحروب والمعارك التجارية بين هذه الدولة وتلك. فضلا عن الخلافات التي أفرزتها حمائية متصاعدة في الأعوام القليلة الماضية. أي إن هذا الاقتصاد لم يكن تنقصه أزمة. فالذي كان فيه كاف ومقلق، حتى إن العالم لم يستفد كثيرا من انتهاء تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت عام 2008. هذه التداعيات التي سادته لعقد من الزمن.
الاقتصاد العالمي دخل في أعمق ركود منذ 80 عاما بسبب الجائحة العالمية التي لم يتوقعها أحد. توقف الحراك الاقتصادي لعدة أشهر في أغلب الدول، لم يعمق الأزمة فقط، بل رفع من قوتها على المدى البعيد أيضا. بمعنى، أنه أطال المدة التي يتمنى العالم أن تكون قصيرة للوصول إلى مرحلة التعافي. ورغم أن التفاؤل بشأن هذه المرحلة موجود على الساحة، إلا أنه لا يرقى إلى مستوى مطمئن مع الأخذ في الحسبان تفاوته بين منطقة وأخرى. فطبقا لاستطلاع أخير أجرته جمعية المحاسبين القانونيين المعتمدين، فإن منطقة أمريكا الشمالية هي الوحيدة فقط التي تتمتع بنسبة تفاؤل أعلى من غيرها، أما بقية المناطق الأخرى، فهناك ضبابية في هذا المجال، فضلا عن ارتفاع مستوى الاضطراب الاقتصادي فيها بصورة تدعو إلى القلق.
الصورة قاتمة سواء كانت مستويات التفاؤل مرتفعة أو منخفضة. ومؤشرات التعافي موجودة أيضا، لكنها ليست حادة خصوصا في النصف الثاني من العام الجاري. فكثير من الاقتصادات لا يزال في مرحلة إعادة التفعيل بعد توقف بفعل الوباء. وهذا التفعيل يتم في معظمها بوتيرة بطيئة، خوفا من حدوث موجة جديدة لكورونا، يقول معظم العلماء إنها ستكون أقوى من الأولى وأكثر عدوانية. فحتى الدول التي تتمتع باقتصادات قوية، تناضل من أجل تقليل الخسائر، وتخفيف الأعباء عن كاهل الحكومات التي اضطرت للتدخل وضخ الأموال لإنقاذ المؤسسات والشركات، وتسديد الأجور، ودعم التأمينات الاجتماعية عالية التكلفة أصلا، فضلا عن الإنفاق الهائل على الجانب الصحي بسبب الوباء. أي إنه لا توجد في الواقع دولة يمكنها أن تدعي أنها قادرة على إعادة الانطلاق بقوة على الأقل من الآن حتى نهاية العام.
الأرقام تكشر عن أنيابها في كل الميادين، الديون، الفقر، البطالة، إفلاس الشركات، توقف الأعمال، وخروج قطاعات بأكملها من الساحة. ووفق آخر هذه الأرقام، فقد قفزت الديون العالمية إلى 331 في المائة من حجم الناتج المحلي العالمي، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، في حين كانت نسبة الديون للناتج العالمي في الربع الأخير من العام الماضي عند 320 في المائة، بحسب معهد التمويل الدولي. ومع إغلاق الاقتصادات، نتج ما يرعب كل الحكومات والمجتمعات في كل الأزمنة. قفزت البطالة إلى معدلات فلكية بالفعل في كل الدول دون استثناء واحد. وهذا أنتج بدوره أعباء جديدة على الموازنات العامة التي تعاني أصلا عجزا تاريخيا. ففي الولايات المتحدة (مثلا) انضم 20 مليون شخص إلى قوائم العاطلين في شهر واحد فقط، والأمر مشابه تقريبا في كل مناطق العالم بما فيها آسيا التي كانت تستوعب أكبر عدد من العاملين.
وفي المشهد العام، انضم الملايين إلى عديد البشر الذين يعيشون تحت خط الفقر، ما دفع الدول الكبرى، ولا سيما دول مجموعة العشرين، إلى إعلان مجموعة من الخطط حيال الدول النامية خصوصا الأشد فقرا منها، لتخفيف ضربات الأزمة الاقتصادية الناجمة عن كورونا، بما في ذلك إعفاءات من ديون، وإعادة جدولة بعضها، وتهيئة الظروف بصورة أفضل، لإعادة تسهيل منتجاتها في مرحلة لاحقة إلى الأسواق الكبيرة. فضلا عن إقرار "المجموعة" تخصيص خمسة تريليونات دولار لمواجهة الجائحة. وهذه خطوة هي الأهم عالميا في ميدان الحد من الآثار المدمرة للأزمة. دون أن ننسى، أن كل هذه الدول قامت بالفعل في الأشهر الماضية بضخ آلاف المليارات في اقتصاداتها ضمن إطار عمليات الإنقاذ الواجبة عليها وطنيا.
كل شيء بات مرهونا الآن بعودة كاملة لحراك الاقتصاد العالمي. وهذا لن يكون سهلا خصوصا مع إمكانية حدوث موجة جديدة للوباء. فالخسائر التي ضربت هذا الاقتصاد حتى اليوم بلغت 8.8 تريليون دولار، أو ما يقارب 10 في المائة من الناتج العالمي، بحسب بنك التنمية الآسيوي. وعلينا أن نتخيل مستواها في حال حدوث تلك الموجة التي يرتعد العالم حتى من ذكرها. الأشهر المتبقية من العام الجاري ستوضح الصورة كاملة وستظهر حجم التفاؤل الحقيقي بالتعافي المأمول.
إنشرها