أخبار اقتصادية- عالمية

صناعة المشروبات الغازية تواجه تحديات مرحلة ما بعد الجائحة .. وعي صحي وعبوات أكبر حجما

صناعة المشروبات الغازية تواجه تحديات مرحلة ما بعد الجائحة .. وعي صحي وعبوات أكبر حجما

أغلب شركات المشروبات الغازية توسع نطاقها الإنتاجي.

تاريخيا لا يبدو أن شيئا يستطيع إيقاف آلة الطلب على المشروبات الغازية، فعندما سيطر الكساد الكبير على الاقتصاد العالمي في ثلاثينيات القرن الماضي، استمر الطلب على المشروبات الغازية.
وعندما وقعت الحرب العالمية الثانية، فإن عمالقة المشروبات الغازية مثل كوكاكولا وجدوا فيها فرصة ذهبية للخروج من نطاق المحلية والتحول إلى مشروب عالمي، وعندما ضربت الأزمة المالية الاقتصاد العالمي عام 2008 واصلت صناعة المشروبات الغازية مسيرتها للأمام رغم العقبات التي واجهتها.
مع هذا لم يتضح بعد التأثير الكامل لوباء كورونا في تلك الصناعة. لكن أغلب التحليلات تشير إلى أنه وقبل الجائحة كان الطلب الاستهلاكي على المشروبات الغازية يشهد موجة من التحديات الناجمة عن تنامي الوعي الاستهلاكي، وتنظيم المستهلكين اتجاهاتهم الاستهلاكية، وربما يسهم تفشي فيروس كورونا في دعم تلك الاتجاهات، مدعوما في ذلك بالحساسية المتزايدة لدى المستهلكين من ارتفاع الأسعار بسبب مظاهر الركود الاقتصادي.
يقدر العائد الذي ستحققه صناعة المشروبات الغازية على المستوى العالمي هذا العام بما يقارب 700 مليار دولار، بينما سيبلغ معدل النمو السنوي خلال الفترة من 2020 - 2025 نحو 6.5 في المائة.
وعلى الرغم من مواصلة الولايات المتحدة الحفاظ على موقع الريادة عبر عديد من الشركات الرائدة على المستوى العالمي مثل شركة كوكاكولا التي بلغ صافي أرباحها خلال الربع الأول من هذا العام ما يزيد على ثمانية مليارات دولار، فإن السوق الصينية تحدث تغييرا في الأسواق العالمية، إذ يتوقع أن يبلغ معدل نمو استهلاك المشروبات الغازية في الصين أعلى من المتوسط العالمي ليبلغ 8.5 في المائة على مدار العقدين المقبلين، لتضيف الصين للصناعة ما يقارب 121.9 مليار دولار.
لا شك أن النمو المتواصل في سوق المشروبات الغازية يعود في الأساس إلى نمو نصيب الفرد من الاستهلاك العام، خاصة في الدول النامية وفي المناطق الهامشية في المجتمعات الأكثر تقدما، وأسهم ارتفاع الدخول على المستوى العالمي، وتغير تفضيلات المستهلكين تجاه المشروبات الجاهزة، في ظل الثورة الإعلامية والإعلانية، في نمو سوق المشروبات الغازية بشكل واضح.
مع هذا يعتقد البعض أن تنامي الوعي الصحي والمخاوف المتعلقة بمحتوى السكر في المشروبات المعبأة قد يؤدي إلى إعاقة نمو السوق خلال الأعوام المقبلة.
لكن الدكتور جيرمي بلوم أستاذ التسويق في كلية الإعلام في جامعة أكسفورد، يعتقد أن عوامل نجاح صناعة المشروبات الغازية، يعود بصفة عامة إلى تبنيها استراتيجية تسويق ناجحة أولا وأخيرا.
ويقول لـ«الاقتصادية»، على الرغم من أن أغلب شركات المشروبات الغازية توسع نطاقها الإنتاجي ليشمل عددا كبيرا للغاية من المنتجات وليس منتجا واحدا، إلا أنها تواصل الاعتماد على منتج أو منتجين رئيسين يتم التركيز عليهما، وشركة مثل كوكاكولا تنتج حاليا نحو 4300 منتج، ويدفعها تنوع المنتجات إلى أن تظل دائما في حاجة إلى القيام بحملات تسويقية تتلاءم مع أذواق مستهلكين مختلفين في دول مختلفة وفئات عمرية مختلفة، ولهذا تعمل أغلب شركات المنتجات الغازية على ربط المستهلك بشعار الشركة وليس بالمنتج، آخذا في الحسبان أنها تقوم بتصنيع عدد مختلف من المنتجات.
ويشير إلى أن الفكرة الجوهرية في التسويق لأغلب تلك الشركات هي ربط استهلاك منتجاتها بـ"المتعة" أو "الاستمتاع" أو "السعادة" أو "البهجة" وأخيرا بمفهوم "الفائدة البدنية" أو "الذهنية"، وهذا المفهوم الأساسي الذي تبني عليه شركات المشروبات الغازية جوهر فلسفتها التسويقية، ما يسمح لها بالنجاح.
ويضيف "يرتبط ذلك بإدراك تلك الشركات بأن سعيها للعالمية سيكون مكلفا للغاية، إذ قامت ببناء خطة تسويق عالمية تركز على المنتجات نفسها، فخطة بهذا الشكل سيكون من الصعب إدارتها، والأنجح والأقل في التكلفة أن تبيع للمستهلك مفهوما قائما على استهلاك تلك العلامة التجارية أيا كان المشروب الذي داخل الزجاجة، ما يعني أسلوب حياة أكثر تحضرا ورقيا وحداثة وسعادة، فالمنتج المبيع يختلف من دولة إلى أخرى حتى داخل الدولة الواحدة من منطقة لأخرى، لكن القيمة المرتبطة بالمنتج ثابتة ويمكن فهمها واستيعابها عالميا.
ولا تقف الجهود التسويقية لشركات المشروبات الغازية عند تلك الحدود، إذ تسعى إلى ترسيخ نجاحها عبر عوامل تسويقية أخرى مثل إضفاء الطابع الشخصي على منتجاتها سواء بتقديم مشروبات محلية مناسبة للذوق المحلي العام، أو عبر مخاطبة السوق المحلية وفقا للقيم الثقافية السائدة، أو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى عدد أكبر من المستهلكين عبر منصة واحدة، لكن كل ذلك لا ينفي حرص شركات المشروبات الغازية على العمل ضمن مفهوم عام يعمل على ربط المستهلك بها وفقا للعلامة التجارية وعلاقته بعالم المتعة والفائدة.
في هذا الإطار عد بعض الخبراء أن قرار عدد من كبرى شركات المشروبات الغازية مثل كوكاكولا بوقف إعلاناتها لمدة شهر على مواقع التواصل الاجتماعي، تجاوبا مع الانتقادات الدولية التي وجهت إلى تلك المواقع، ومن بينها موقع فيسبوك، بدعوى أنه لم يأخذ إجراءات كافية للتصدي للعنصرية، لا يتفق مع المصالح الاقتصادية لتلك الشركات.
من جهته، يقول لـ«الاقتصادية» الدكتور جون ماكفوي أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة لندن، "على المستوى المالي البحت يمكن القول إن تجميد الإعلان لا يصب في مصالح شركات المشروبات الغازية، فبعض شركات المشروبات الغازية فقدت 25 في المائة من مبيعاتها في بعض أشهر جائحة كورونا، نتيجة الإغلاق الجماعي للمطاعم والأنشطة الرياضية وغيرها خارج المنزل".
يختلف الخبراء في مجال صناعة المشروبات الغازية بشأن التوجهات المستقبلية لطلب المستهلكين، إذ يرى فريق من المختصين أن المرحلة المقبلة ونظرا للخبرات التي اكتسبها المستهلكون من أشهر الإغلاق، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة ستدفع إلى زيادة الطلب على العبوات الكبيرة ذات الحجم العائلي لكونها أوفر اقتصاديا، إضافة إلى عدم توقعهم أن يؤدي تراجع سياسات الإغلاق إلى عمليات إنفاق ضخمة من المستهلكين على المطاعم والأنشطة الرياضية تحسبا لموجة جديدة من وباء كورونا.
بدورها، تقول لـ«الاقتصادية» ماجي لي رئيسة قسم المبيعات في مجموعة تسكو لتجارة التجزئة، "أشهر البقاء لفترة طويلة في المنزل ستؤدي إلى زيادة الإنفاق الشخصي للمستهلكين للتعويض عن تلك الفترة من الحبس المنزلي إذا جاز التعبير، وستزداد معدلات الاستهلاك والطلب على المشروبات الغازية صغيرة الحجم وليس العبوات العائلية".
وتضيف "على العكس تماما سيتراجع الطلب على العبوات الضخمة نظرا لوجود كميات كبيرة منها لدى المستهلكين في منازلهم نتيجة عمليات التخزين التي تمت في وقت سابق"، لكن سواء شهدت صناعة المشروبات الغازية انحيازا لمصلحة إنتاج العبوات العائلية الضخمة، أو العبوات الصغيرة، فإن أغلب الخبراء يتوقعون أن تشهد الصناعة في أعقاب جائحة كورونا مزيدا من النضج الاستهلاكي فيما يتعلق بالعلاقة بين المشروبات الغازية والصحة.
وفي هذا السياق تعلق خبيرة التغذية ماجي ستانلي قائلة "المرحلة المقبلة من صناعة المشروبات الغازية ستشهد تحولا من التركيز على المذاق للتركيز على المشروبات الوظيفية التي تهتم بالصحة، ليس بالضرورة أن يكون لها مذاق الدواء، لكنها ستعمل على تحسين اللياقة البدنية والعقلية بنشاط من خلال مكونات مختارة".
وتضيف "في الواقع هذا الاتجاه سابق لتفشي وباء كورونا حيث إنه في عام 2019 كان نحو 19 في المائة من المشروبات الجديدة تركز على أن لها تأثيرا إيجابيا على الصحة، وشعار (أنت ما تشربه) ربما يعيد هيكلة صناعة المشروبات الغازية ويفتح لها آفاقا أكبر لتحقيق مزيد من الأرباح".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية