الهدية المنسية

إن كان من جماد ناطق فهو الهدية، فما أن يستلم المهدى إليه هديته، حتى يشعر بصوت من أهداه ينادي، أنا تذكرتك.. أنا أقدرك.. أنا أحبك.. بل قد يشم رائحة المهدي تعبق في أرجاء المكان، الهدية تدخل الفرحة والبهجة في النفس، لها فعل السحر في القلوب، كما تساعد على إزالة الضغينة والبغضاء بين الناس، وهي مفتاح القلوب المتنافرة أو المغلقة، وصدق الشاعر حين قال: هدايا الناس بعضهم لبعض ** تولد في قلوبهم الوصالا // وتزرع في الضمير هوى وودا ** وتكسوهم إذا حضروا جمالا، عرفت الهدية منذ آلاف الأعوام، ويختلف غرضها باختلاف ظروف المهدي والمهدى إليه. ملكة سبأ – بلقيس – أرسلت هدية لنبي الله سليمان عليه السلام، وقد وثق ذلك في محكم التنزيل "وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون"، ثم جاء الإسلام ليحث عليها، وورد ذلك في أحاديث كثيرة منها قوله عليه الصلاة والسلام، "تهادوا تحابوا" ويقول، "يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة"، وفي ذلك تقوية لأواصر المحبة وحرص على أن تكون سلوكا اجتماعيا يساعد على تماسك المجتمع وقوة لحمته. والهدية ليست بقيمتها المادية ولا بكبر حجمها، لأن المهم هو كنهها وقصدها وصفاؤها أي بقيمتها المعنوية، وبما ترمز إليه من محبة ونقاء وحسن سريرة، ويعتقد البعض أن الهدية لا تصلح إلا إذا كانت هناك مناسبة معينة، وهذا ولا شك، اعتقاد خاطئ فهي تهدى في أي وقت وتكون للجميع سواء بين الأزواج أو بين الأبناء ووالديهم أو الأقارب والجيران والأصدقاء، وللهدية آداب أشدها سوءا، أن يرجع الإنسان عن هديته، وألا يمن بها، لأن ذلك من قلة المروءة، ومن آدابها العدل بين الأبناء فيما يهدى إليهم وكذلك عدم إهداء المحرمات، وقد يخلط البعض بين الهدية والرشوة، لكن البون شاسع والفرق كبير، فالرشوة يكون وراءها مصلحة مباشرة تسهم في إخلال بالنظام أو تجاوز فيه لأشخاص عادة غير معروفين، أو أصحاب سلطة، وهي جريمة كبيرة يعاقب عليها أطراف عدة، في حين أن الهدية يقصد بها إكرام المهدى إليه من قريب أو صديق لاستجلاب المودة والإحسان، لا لإبطال حق أو إسقاط واجب، والهدية وإن قلت، فقيمتها في الجانب المعنوي، وصدق المثل الدارج في مجتمعنا "أنا غني وتطربني هداياك".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي