«المركزي الأوروبي» والسياسة النقدية «2 من 2»

من المؤكد أن المحكمة الدستورية الألمانية لا تملك سلطة المطالبة بمثل هذا التغيير. لكن لتجنب أزمة أشد عمقا يحتاج البنك المركزي الأوروبي إلى إقناع الجمهور الألماني أن استقرار الأسعار هدفه الأساسي لسبب وجيه، وأنه لا يستطيع أن يقرر ببساطة تأديب حكومات بعينها أو تفضيل سياسات تعود بالفائدة على المدخرين والمصارف الألمانية. ولن تحل هذه المشكلة من خلال عملية مراجعة الاستراتيجية المعتادة التي يقوم بها البنك المركزي الأوروبي.
تعترض المحكمة الدستورية الألمانية أيضا على عنصر تقاسم المخاطر المتأصل في جميع القرارات المتعلقة بسياسة البنك المركزي الأوروبي. ستخلف السياسة النقدية دوما عواقب تتعلق بالتوزيع داخل المجتمعات، وفي منطقة اليورو بين الدول. لكن الرأي السائد في ألمانيا يتلخص في أن سياسات البنك المركزي الأوروبي منذ عام 2008 كانت مصممة لمصلحة دول جنوب أوروبا الأضعف على حساب ألمانيا. ومرة أخرى، ربما يكون من المغري تجاهل هذه الحجة على أنها هراء وهي هراء حقا، والإشارة إلى أن ألمانيا استفادت بقدر أي دولة أخرى من سياسات البنك المركزي الأوروبي على مدار العقد الماضي. لكن هذا لن يحل الصراع.
لقد تحمل البنك المركزي الأوروبي درجة غير عادية من المسؤولية عن الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والمالي، أولا خلال أزمة 2008، ثم أثناء أزمة الديون الأوروبية اللاحقة، والآن في الاستجابة لجائحة كوفيد - 19. في وجود اتحاد مالي لائق وسوق رأسمالية مناسبة لتعزيز تقاسم المخاطر، يصبح من الممكن تضييق الفوارق داخل منطقة اليورو، ما يسمح للبنك المركزي الأوروبي بالتراجع عن شراء السندات السيادية وغير ذلك من التدخلات. لكن هذا لن يحدث في الأرجح في وقت قريب، ما يعني أن البنك المركزي الأوروبي يحسن صنعا بتعديل استراتيجيته.
ينبغي للبنك المركزي الأوروبي أن يعمل على مراجعة تعريفه لاستقرار الأسعار والطريقة التي يتبعها في تحليل الآثار المترتبة على السياسة النقدية، ليس لإرضاء المحكمة الألمانية، بل لتعزيز الشفافية. وفي الوقت الحالي على الأقل، من الممكن أن يساعد هذا على حماية استقلاليته التشغيلية والمؤسسية والقانونية. لكن في الأمد البعيد، لا يمكن للاتحاد الأوروبي وحكومات الدول الأعضاء تجاهل الموقف الألماني. فعلى الرغم من عديد من نقاط الضعف والتناقضات الخطيرة التي تعيب منطقها، فإن المحكمة الدستورية الألمانية تثير قضايا مشروعة ومهمة تتعلق بتفويض البنك المركزي الأوروبي فيما يتصل بالسياسة النقدية والدور الذي يلعبه داخل الاتحاد النقدي الأوروبي.
في أفضل السيناريوهات، سيعد الاتحاد الأوروبي الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية الألمانية نداء إيقاظ للعمل نحو إقامة اتحاد مالي قادر على أداء وظيفته وسوق رأسمالية قابلة للحياة، وتوضيح دور البنك المركزي الأوروبي في كل منهما. وهذا يتطلب إجراء تغيير صعب للغاية في معاهدة الاتحاد الأوروبي. لكن البديل سيكون أسوأ كثيرا.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2020.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي