القطاع المصرفي وإصدار عملات رقمية
التفريق بين المال والمدفوعات، شرط للمضي بنقاش مستقبل التقنية المالية، وهنا الحديث مقصود به التكنولوجيا، فقد فتحت التقنيات الجديدة مثل العملات الرقمية ونظام، M-Pesa وWeChat التي دخلت القطاع المصرفي الباب أمام تغيرات جذرية محتملة. يعد عديد منها بدائل محتملة عن العملات التقليدية التي تصدرها البنوك المركزية أو الوسيط الذي يلعب دوره المصارف التجارية.
يوجد بهذا الصدد، افتراض أن المال والدفع عبارة عن ميزات متقاطعة. ينشأ هذا اللغط من التعريف التقليدي للمال: هو عبارة عن أصول تمكننا من شراء البضائع والخدمات، أي وسيلة تبادل. وكمثال على ذلك العملة العادية، حيث إن قطعة ورق مكتوب عليها 50 أو 100 دولار، تعد أصلا ذا قيمة وسيلة دفع. لا يمكن الفصل بين تحويل الأصل عن التكنولوجيا المستخدمة لإجراء الدفعات. فمن خلال إعطاء البائع ملاحظة بإمكانك الحصول في المقابل على بضائع وخدمات بالقيمة نفسها.
وفي اللحظة التي نبدأ فيها بالتفكير في الأشكال الإلكترونية للعملات، يصبح الفرق واضحا بين الأصول وتكنولوجيا الدفع. فالأصول هنا عبارة عن رصيد يتم الاحتفاظ به عادة في أحد المصارف "وقد يكون عبارة عن نظام تشغيل في الهاتف المحمول، كما هو الحال مع M-Pesa. أما تكنولوجيا الدفع، فهي كيفية تحويل قيمة الأصل إلى طرف آخر. قد تكون تلك التقنية بطاقة مصرفية أو شريحة خاصة بتقنية التواصل قريب المدى داخل ساعة مدمجة، أو تطبيق رسائل عبر الهاتف المحمول يربط رصيدك مع رصيد البائع.
لذلك يمكن التعامل مع السمتين بشكل منفصل على الأقل من الناحية النظرية. يمكن لمصرف تجاري الانتقال من تقنية دفع مرهقة ومكلفة تتضمن شيكات وتحويلات برقية غير فعالة إلى عملية رقمية توفر إمكانية الدفع والتحويل وتسيرها أنظمة فورية. لم تتغير هنا طبيعة المال رصيدك في الحساب المصرفي لكن أصبحت طريقة استخدام المال كوسيلة للتبادل تقنية الدفع أكثر كفاءة.
قد تجتمع السمتان على أرض الواقع. لنأخذ مثالا على ذلك نظام M-Pesa في كينيا، حيث يوفر مزود خدمة الهاتف المحمول شكلا من أشكال العملة تجمع بين الرصيد في أنظمته والتكنولوجيا لإجراء عمليات الدفع عبر الهاتف المحمول. يحدث ذلك على الأرجح في الدول التي تندر فيها الحسابات المصرفية، لتبقى الطريقة الوحيدة لتقديم تقنية دفع فعالة عبر دمجها بمزود أصول من خلال تلك الأرصدة.
فيما يلي مثال آخر يتم فيه الجمع بين المال والمدفوعات: ناقشت كريستين لاجارد، - حينما كانت مديرة لصندوق النقد الدولي سابقا -، خلال حديثها في مهرجان التكنولوجيا المالية في سنغافورة 2018، مزايا العملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية "أي السماح للأفراد بحيازة حسابات في البنك المركزي". إحدى أهم تلك المزايا هي الخصوصية. نقلا عنها:
لنطرح مثالا بسيطا على ذلك. تخيل أن الأشخاص الذين يشترون البيتزا المجمدة يعجزون بشكل أكبر عن تسديد الرهون العقارية مقارنة بالأشخاص الذين يشترون البروكلي العضوي والمياه الغازية. ماذا بإمكانك أن تفعل إذا كانت لديك الرغبة في البيتزا لكنك لا تريد خفض رصيدك في بطاقة الائتمان؟ اليوم تستطيع سحب المال. لكن ماذا عن الغد؟ هل ستدفعك أنظمة الدفع الخاصة لشراء البروكلي؟ هل ستشرع البنوك المركزية إلى إنقاذك ومنحك عملة رقمية مجهولة بالكامل؟ بالتاكيد لا. فالقيام بذلك سيكون بمنزلة مكافأة للمجرمين". ويتطلب الحديث عن الفوائد وتكاليف الحلول المختلفة، فصل الأموال عن تقنيات الدفع.
قد ترغب الحكومات في الحصول على جميع المعلومات المتعلقة بهوية الأفراد أصحاب الحسابات المصرفية. لكنهم قد لا يكترثون إذا ما كنت تشتري البيتزا أو البروكلي، أي المعلومات المتعلقة بالدفعات الفعلية. قد يتخيل المرء نظاما يكون فيه تنظيم المؤسسات التي تمسك بالأصول (الأموال) على أعلى الضوابط وتتوافق مع أنظمة برنامج معرفة العميل. لكن الشركات التي تمتلك إمكانية الوصول لذلك للقيام بعمليات الدفع لا تحتاج إلى مشاركة أي معلومات مع الحكومات. في الحقيقة، قد نرغب في دفعهم إلى المحافظة على شروط خصوصية إلى حد كبير فيما يتعلق بالمعلومات التي يجمعونها أو يبيعونها. ولا حاجة إلى إنشاء عملة رقمية للبنك المركزي للجميع.