Author

قرار الشراء بين عودة الحركة ورفع «الضريبة»

|
من أكثر الأسئلة التي نسمعها اليوم: هل أشتري الآن أم أؤجل الشراء؟ تشمل الأسئلة تقريبا كل شيء، الأرض والمسكن والسيارة والأجهزة الإلكترونية والإكسسوارات، وكل منتج تكلفته معتبرة نسبيا، باستثناء ربما المستهلكات اليومية التي ستتأثر أيضا بشكل أو بآخر. والجواب يأتي في وسط سياق مليء بالتنبؤات المبنية على حدثين جوهريين. الأول، العودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية وما تعكسه من تأثيرات في حركة الأعمال والاستهلاك. والآخر، رفع معدل ضريبة الدخل في موعده المعلن بداية يوليو. يرافق الحدثين عدد من الافتراضات والتوقعات، مثل أن عودة الحركة تعني وجود فرص تسويقية وتحفيزية متزامنة مع حماس المستهلك الذي يتطلع إلى الخروج. وأخرى تقول، إن العودة إلى الشراء والاستهلاك ستكون أبطأ من عودة الحركة، أي أن المستهلكين لن يقدموا على الخروج والصرف مباشرة، باعتبار عاداتهم الجديدة المكتسبة أو باعتبار محافظتهم على الإجراءات الصحية الاحترازية ذاتيا.
هناك أيضا تأثير الضريبة الذي قد يؤثر سلبا في الاستهلاك، لأن المستهلك سيقوم بإعادة ضبط تعريفه للقيمة حسب التكلفة الجديدة، وسيعيد النظر - بلا شك - إلى ميزانيته، سواء بالتخطيط المسبق أو التعديل اللحظي حين التأثر. ولا يخفى كذلك الحديث عن موجة شراء ونمو سريعة وقصيرة تحدث قبل تاريخ رفع الضريبة، وهذا أمر مثبت ومشاهد في دول كثيرة، كالذي حدث أخيرا في اليابان خلال 2019، حين تم رفع ضريبة المبيعات من 8 إلى 10 في المائة، فحدثت موجة شراء حتى آخر دقيقة في مبيعات أجهزة التلفزيون والإلكترونيات والمجوهرات، وكل ما غلا ثمنه ولم يكن مشمولا بحوافز ضريبية خاصة، مثل السكن والسيارات. في اليابان توجد حوافز خاصة بالسيارات الصديقة للبيئة، وتستفيد 90 في المائة من السيارات المبيعة من هذه الحوافز. كانت موجة الشراء المؤقتة في اليابان متباينة النتائج، فاقت التوقعات في بعض البنود وكانت أقل في أخرى.
يتحدث كثير من الاقتصاديين وغيرهم عن هذه الظروف والمعطيات ويدلون برأيهم، ولهم ذلك. لكن من وجهة نظر الفرد المستهلك، وباعتبار ضرورة إدارة أوضاعه المالية بما يحسن من واقعه المالي، لا بد من أن يقوم بعزل قراره عن ذلك. على الأقل، له أن يحاول الاستفادة من هذه الآراء لكن بحذر، فكثير منها متضارب أو ناقص أو يتعارض مع السلوك الأمثل الملائم له أو لا تلائمه كحالة فردية.
ماذا يعني ذلك؟ يعني أن قرار الشراء قرار شخصي بامتياز، يقوم على معطيات خاصة بالفرد، مثل قدرته المالية، وحاجته، والقيمة التي سيحصل عليها، وبدرجة أقل، الظروف والفرص المؤقتة التي تتاح له. على سبيل المثال، تكبد تكلفة أعلى بقليل لا يعد المؤثر الأهم في قرار الشراء إذا كانت الاستفادة ستكون من شيء ضروري يخدم الفرد فترة طويلة. وكذلك، تعد الاستفادة من توفير نقدي قليل وشراء منتج بتكلفة أقل من تكلفته المستقبلية المتوقعة، لكنه لا يقدم قيمة كبيرة للمشتري، خطأ مكلفا، خصوصا لو ترتب على هذا الشراء التزام مالي فترة طويلة.
يقسم دانييل كانمان في كتابه الشهير "التفكير السريع والبطيء"، نظم التفكير إلى أسلوبين رئيسين: نظام التفكير السريع العاطفي ونظام التفكير المتزن العقلاني، والأخير هو ما يجب الاعتماد عليه عند الشراء، خصوصا عمليات الشراء الكبيرة والمؤثرة. فالأسلوب الأول لا يتطلب جهدا كبيرا، إذ يتسم بالعفوية، إلا أن نتائجه مكلفة عند اتخاذ القرارات المالية. والأسلوب الآخر، منهجي ومدروس ونتائجه أفضل دون شك. لذا، النصيحة الأولى تكون بعدم التعجل ومحاولة تصور نتائج القرار، سواء كان بالشراء أو التأجيل. وبعد ذلك يجب أن يميز الشخص العملية التي يقبل عليها، فأي شراء يتطلب التزاما طويلا يجب أن يدرس بعناية، وكذلك المشتريات عالية التكلفة التي تتبخر بسرعة أو تلك التي تكون منفعتها محدودة جدا زمنيا. وينبغي للمقبل على الشراء أن يعيد تقييم وضعه المالي ويرى أين تقع هذه الخطوة في خطته المالية؟، وهل تتفق معها أم تعارضها ولا تخدم أهدافها؟. وإذا وصل إلى هذه المرحلة، حينها يمكنه دراسة السوق والفرص المتاحة ويقرر إن كان الشراء في هذا الوقت يحقق هدفه ويصنع القيمة التي يطمح إليها، تشمل دراسة السوق بطبيعة الحال البحث المباشر وسماع الآراء الموثوقة حتى لبس قبعة البائع ومحاولة التعرف على حافزه الذي قد يكون لا يخدم حافز المشتري. باختصار، للشخص أن يستفيد من أي إجراءات أو فترة انتقالية تؤثر في الأسعار والتكلفة، لكن فقط بعد تقييم القرار من النواحي الأهم والرجوع إلى خطته المالية الشخصية.
إنشرها