Author

أزمة الصادرات العربية وتوقع الأسوأ

|

تعاني المنطقة العربية - كغيرها من المناطق في العالم - الآثار الاقتصادية الموجعة الناجمة عن تفشي وباء كورونا المستجد. وهناك اقتصادات عربية تعاني الهشاشة أصلا قبل انفجار هذا الوباء، فضلا عن تلك التي "أكلت" اقتصاداتها حروب أهلية وتدخلات عسكرية خارجية، وغير ذلك من أشكال عدم الاستقرار السياسي. ففي العالم العربي، تشير التقديرات إلى فقدان أكثر من 1.7 مليون وظيفة بحلول نهاية العام الجاري.
وقدر صندوق النقد الدولي خسائر العرب "كلها" من جراء الوباء بنحو 1.4 تريليون دولار، وارتفاع مستويات الديون 15 في المائة. كل هذا يبدو طبيعيا، إذا ما أخذنا في الحسبان أن كورونا وآثاره يهددان 1.25 مليار عامل حول العالم، استنادا إلى تقديرات الأمم المتحدة. وهذا أيضا لا غرابة فيه، مع إمكانية وصول خسائر الاقتصاد العالمي - بحسب صندوق النقد - إلى تسعة تريليونات دولار. كل هذا رفع الفقر والديون والبطالة والإفلاس، وغير ذلك من أشكال الركود الاقتصادي، الذي يخشى العالم أن يتحول إلى كساد عالمي طويل.
في ظل هذه الصورة القاتمة، يعزز صندوق النقد العربي هذه التقديرات كلها، خصوصا على الساحة العربية، سواء على صعيد التحويلات المالية، التي تعتمد عليها اقتصادات عربية عديدة، أو البطالة أو الفقر، إلى جانب التجارة. واستنادا إلى هذه المؤسسة، فإن الصادرات العربية مهددة بقوة من تداعيات الجائحة الكبرى، وقد تصل نسبة الصادرات المهددة هذه إلى 65 في المائة. وهو مستوى مرتفع كثيرا مقارنة بمستوياته في مناطق أخرى من العالم. هذا كله خاضع للأزمة الراهنة في مجالي العرض والطلب. فالشركاء التجاريون للعرب هم أنفسهم يواجهون أزمة مشابهة، وإن كانت أقل حدة على صعيد الاقتصادات المتقدمة. فالصورة ليست جميلة بالفعل في هذا المجال الحيوي، ويبدو أنها ستواصل وضعيتها إلى حين اتضاح الصورة كاملة بشأن محاصرة الوباء، وإعادة فتح الاقتصادات المغلقة بمهارة.
تراجع الصادرات لا يختص بالدول العربية الفقيرة أو الأقل دخلا، بل يشمل أيضا الدول العربية النفطية التي اتخذت سلسلة من الإجراءات الاحترازية منذ بداية الأزمة، لكنها في النهاية مرتبطة بسوق عالمية تعاني أيضا. فالطلب الخارجي - بحسب صندوق النقد العربي - يولد 48 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، والتراجعات في الصادرات تشمل كل شيء تقريبا، بما في ذلك النفط، الذي شهد في الأسابيع القليلة الماضية تراجعا في الطلب، بحكم توقف عجلة الاقتصاد العالمي، سواء جزئيا أو كليا في بعض الدول. في العالم العربي، تأثرت القطاعات كلها من جراء جائحة الوباء، من النفط إلى السياحة والخدمات الإنتاجية، والنقل والتجارة الداخلية والخارجية، في آن معا. واللافت في الأمر، أن هذه القطاعات مسؤولة عن توليد 40 في المائة من الناتج. وعلى هذا الأساس، لا توجد مؤشرات مطمئنة حتى الآن على مستقبل بعض القطاعات. فحتى في الدول المتقدمة، تواجه قطاعات بعينها إمكانية خروجها من السوق نهائيا. حتى الآن تستمر أغلبية الشركات والمؤسسات عبر اعتمادها على حزم الإنقاذ الحكومية. إنها مرحلة خطيرة للغاية، وعلى الجميع توقع الأسوأ، إذا ما استمرت ضربات كورونا هنا وهناك، فالضغوط تأتي من كل الجهات تقريبا، وفي مقدمتها العملات المحلية حتى في الدول النفطية الأكثر ثراء في الساحة العربية.

إنشرها