إدارة الشوق

الأسابيع العشرة الماضية في حياة معظم البشر كانت مختلفة، احتاجوا فيها إلى مهارات إدارية شخصية كثيرة، بدءا بإدارة منازلهم التي يعيش أفراد كثير منها فكرة عدم الخروج والتجول الكلي أو الجزئي لأول مرة، ثم إدارة الموارد عبر تأمين ما يعتقد كل فرد أنه الأهم غذائيا أو شخصيا، ثم إدارة الأزمة لمن فقد هو أو أحد أفراد عائلته جزءا من دخله، أو كل دخله، ويمكن إضافة إدارة الفعاليات أثناء الجلوس في المنزل، أو إدارة العلاقات مع الجيران، وغيرها كثير.
تأملت كثيرا في هذه المهارات الإدارية الجديدة، أو لعلها المستجدة على الناس، ووجدتها إحدى فوائد هذه الأزمة التي مرت بأغلبية سكان الأرض، ونجح كثيرون في هذه "الإدارات"، وربما أخفق بعضهم، والتقييمات النهائية تظهر عند انجلاء الأوضاع وعودة الحياة إلى "ما ستعود إليه"، سواء كان ذلك الحياة الطبيعية السابقة، أو تلك الجديدة التي يقول بها البعض ولن تشبه أبدا سابقتها.
أحد أنواع الإدارة حقق فيه كثيرون، وأنا منهم، فشلا ذريعا، إنها إدارة الشوق، لأن الشوق ليس كالتموين، أو خطط العمل والتنفيذ، أو إجراءات الطوارئ الشخصية والمالية، أو اتباع تعليمات الحكومة، أو الصحة، أو البلديات. إنها خليط بين تعليمات العقل، ورغبات القلب، ولواعج الروح.
تشتاق إلى والديك، وأحبتك، وأهل، وأصدقاء، تريد أن تحتضنهم، تشمهم، تشعر بهم، وصولا إلى اشتياقك نسمة برية أو بحرية، أو أن تشتاق إلى بقعة من وطنك تمطر هذه الأيام مثلا، أو تحتفظ ببقية من ربيع أو صقيع.
أيا يكن ما تشتاق إليه أنت، أو أنا، وهو كثير، غزير حد الوجع أحيانا، فإن إدارته صعبة، فذكر الأحبة يهيج الشوق، ورؤيتهم أو التواصل معهم عبر جهاز أو شاشة تلهب الشوق ولا تطفئه. وتظل الأسابيع الماضية لكثير من الناس، العيش بين رجاء حالم لذيذ، ويأس مؤلم، لكن قوة الرجاء دوما أكثر وأكبر من اليأس، لأنه يستمد قوته من قوة الشوق، وأنت - بالطبع - متفرج على لواعجك، رغم أنك "صاحب شأن" هنا.
الشوق يزيد من حمايتنا، لأنه يعدنا بلقاء قريب، وهو إذا كان كلفظ وممارسة حظي به العشاق والمحبون أكثر، فإن هذه الأسابيع أعادت إلى بقية الأشواق وهجها ولواعجها القوية، خاصة أن كثيرا ممن تعامل مع كثير ممن يحب على أن وجوده واستمرار اللقاء به أو الحصول عليه مسلم به، وهذا ما أثبتت الأزمة أنه غير صحيح، وهو إثبات تعيشه شعوب كثيرة لأول مرة.
نتعلم كل يوم شيئا أو "إحساسا" جديدا من قصة كورونا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي