آثار الشدة
بدأنا نفهم معنى "الجائحة: هي شدة يدوم أثرها أكثر منها"، واستفاق كل شعب على الحقائق التي لا أشك أنها ستجعلهم يعيشون المستقبل بمفاهيم وقيم جديدة تفرضها الظروف التي استجدت، وفي مقدمها الظرف الاقتصادي الذي سيبني "آلامه" على تداعيات صحية وإنسانية ووجودية رآها الناس رأي العين، وكأنهم في "فيلم" من الأفلام التي اتضح أن بعضها لم يكن محض خيال، أو ربما لم يكن حتى محض "فن".
هذا الفيروس أظهر الصراع بين المثالية والبرجماتية، على مستوى الأفراد، وعلى مستوى الدول والحكومات. المثالية الباحثة دوما عما ينبغي أن يكون، والبرجماتية التي "تفرض" أحيانا ما يجب أن يكون. انتصرت الأولى عند أفراد ودول، وغلبت الأخرى عند غيرهم، وبقيت المعيشة أو "النجاة" هي التي تحدد مستويات النزعة الأنانية، أو محاولة الاقتراب من الإنسانية.
تحدث وزير المالية السعودي ووضع الناس في "بعض" ملامح صورة الاقتصاد، واختلف المتلقون على مستوى "التخويف" الذي حملته مفرداته، لكنهم اتفقوا على نجاحه في التنبيه على أن السعودية جزء من العالم، وأي تبعات اقتصادية في العالم ستنعكس عليها نتيجة تداعيات الجائحة من جهة، وانخفاض أسعار النفط من جهة أخرى، التي تسببت فعليا في إجراءات حادة اتخذتها كبرى الاقتصادات العالمية، وكذلك ستفعل السعودية.
"الألم" الذي تحذر منه الحكومة على لسان الوزير، جزء من آثار هذه الجائحة، وجزء من تزامن الجائحة مع التحديات الجيوسياسية، وانخفاض أسعار النفط، فمن الطبيعي أن يكون شديدا. وقد بدأ أول "الآلام" بإعلان المذكرة "التفسيرية" لنظام العمل السعودي وإتاحة خفض رواتب الموظفين في القطاع الخاص 40 في المائة، وإنهاء العقود بعد ستة أشهر من "الظرف القاهر".
ردود فعل الناس اتسمت بالثقة بالحكومة التي طالما نجحت في الشدائد، وبتوجيه أسئلة للتنفيذيين والمسؤولين والوزراء، بعضها يمكن تفهمه، حول بنود إنفاق "يقترحون" على حكومتهم إيقافها، وحول ملف المقيمين في البلاد الذين يجب أن تشملهم "الآلام" الاقتصادية، وتشمل كفلاءهم ومشغليهم، والأهم المتسترين عليهم.
السعودية والسعوديون يتحملون عبئا لا يمكن إنكاره فيما يتعلق ببعض المقيمين، والصراع بين المثالية والبرجماتية في هذا الملف سيحسم يوما ما، فالاقتصاد معروف عنه أنه يصبح "محايدا" أخلاقيا عند الرخاء، لكنه يفقد بعض هذا الحياد عند الشدة، وعندما يتدخل "الخوف" في النظرة إلى الآخر.