الجمهور المسكين
كلما كانت الماكينة الإعلامية قوية ومؤثرة، يمكن لها أن تفرض الذائقة التي ترغب على المشاهدين والمتلقين، العلاقة طردية، على سبيل المثال، يمكن لقناة فضائية قوية أن تفرض ممثلا أو مذيعة - لأي سبب يخطر في بالك - لتتدرب أو يتدرب على الهواء شهورا وربما أعواما، ليصبحا أكثر شهرة ومن الإعلاميين "المؤثرين " الـ100 الأوائل في الشرق الأوسط أو الأدنى. ومسألة الفرض غير محصورة بمذيع أو مذيعة فهي تتعدى ذلك إلى الممثل والبرنامج والمسلسل، وكذا التوجهات والرغبات والأفضل والأنجح.
في زمن مضى حينما كانت الخيارات التلفزيونية "قنوات" محدودة جدا، كانت السيادة في الأعمال الفنية للمنتج المصري: مسلسلات مسرحيات ممثلين، مخرجين، حتى أصبح من كثرة الاعتماد عليه مضرب المثل في الضعف والتهالك والهبوط الفني وتلوث الذائقة، ومع ذلك كانت تلك القنوات "المحدودة" تفرضه فليس هناك بديل "معلب" والتعليب مهم لإدارات المشتريات. وكان الإنتاج له على قدم وساق لوجود الطلب وعدم وجود فكرة لبديل.
في ذلك الزمن استخدمت مقولة "الجمهور عاوز كده" لتبرير سوء المنتج وتهالكه وبحثه عن المال بأي طريقة وأسلوب واستخدامه لسد فراغ، مع أن لا أحد استشار جمهورا يعاني أساسا عوز الخيارات، ويفتقر إلى منصات إعلان رأيه الحقيقية. يعود هذا التبرير المضحك هذه الأيام مع تحريف بسيط فهو لا يقول إن كل الجمهور "عاوز كده"، بل بعضه ويوحي من دون تحديد لأرقام أنه بعض كثير، وهذا البعض له - من باب المساواة - حق الحصول على ما يرغب في مشاهدته!
والطريف أن إحصاء ومعرفة بيانات حقيقة المشاهدات ونوعية هذه المشاهدات، أي عدد الجمهور "البعض" حسب التبرير، هذه الإحصاءات معروضة للبيع حسب الطلب من شركات متخصصة في "صاحب القناة عاوز كده"!
حتى إن مدير القناة أو المشرف عليها يمكن أن يوظف شخصا بمواصفات معينة لا تخفى على فطنة القارئ، ليجلس بجواره إذا جلس، ويمشي وراءه إذا تحرك، ليؤكد له كل لحظة أن قناته هي الأكثر مشاهدة، وهو سيصدق ذلك لأنه يريد ذلك، ويتبنى قوله والدفاع عنه في كل حضور له حتى يصبح جزءا من كرامته! ولا يستغرب أن ينخدع بهذا من حوله ويتوظف بعض آخر للترويج له.