Author

كورونا يقضي على عقد من نمو الطلب على النفط

|
ما سيحدث بعد جائحة كورونا في أسواق النفط سيعتمد على مدى سرعة تعافي الاقتصاد العالمي من الإغلاق وبشكل كامل، وما إذا كان الركود قد يستمر خلال الفترة المتبقية من هذا العام حتى عام 2021. والسؤال الأهم هو كم سنفقد من الناتج الاقتصادي العالمي واستهلاك النفط بشكل دائم في النصف الثاني من العام حتى عام 2021 نتيجة الركود؟
بعد أيام فقط من أكبر تخفيض للإنتاج في تاريخ أسواق النقط - حتى وقت كتابة هذا التقرير -، انخفضت أسعار خام غرب تكساس الوسيط إلى ما دون 20 دولارا للبرميل. ومن المؤمل أن يفضي اتفاق تحالف "أوبك+"، الذي تم التوصل إليه يوم الأحد الـ12 من الشهر الجاري، إلى تخفيضات في الإنتاج تبلغ 9.7 مليون برميل يوميا في أيار (مايو) وحزيران (يونيو)، مع تراجع التخفيضات خلال الفترة المتبقية من 2020 و2021 والربع الأول من عام 2022. كما أن انكماش أسواق النفط سيؤدي إلى تخفيضات أكبر في الإنتاج. حيث إن مزيدا من التخفيضات ستحدث نتيجة تداعيات انخفاض الأسعار على إنتاج النفط في الولايات المتحدة وغيرها من منتجي النفط الرئيسين غير المعنيين رسميا باتفاق تحالف "أوبك+". ومع ذلك، فإن مخزونات النفط الخام والمنتجات المكررة ستبدأ عند مستوى عال جدا، الأمر الذي سيستغرق شهورا لتتلاشى على افتراض عودة الاستهلاك إلى مستوياته شبه الطبيعية بسرعة.
لكن الانهيار في الطلب على النفط كان أكبر وأكثر إلحاحا. من المتوقع أن ينخفض الطلب في نيسان (أبريل) بمقدار 29 مليون برميل في اليوم، وفقا لوكالة الطاقة الدولية. ومن الغريب أن كثيرا من التوقعات من المصارف الاستثمارية تنبأت بحدوث انتعاش على شكل حرف V للاقتصاد العالمي، لكن يبدو أن هذا السيناريو متفائل بشكل متزايد. من جانب آخر أشار تقرير الوكالة عن أسواق النفط لنيسان (أبريل) إلى "أن الاقتصاد العالمي يتعرض لضغوط بطرق لم نشهدها منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي". وأضاف التقرير "حتى بافتراض أن القيود على السفر قد تخفف في النصف الثاني من العام، نتوقع أن ينخفض الطلب العالمي على النفط في عام 2020 بمقدار 9.3 مليون برميل يوميا مقارنة بعام 2019، ما يمحو ما يقرب من عقد من النمو. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تنشر فيها الوكالة تقريرها منذ أن أصبحت إجراءات الإغلاق، حقا، عالمية. وتفترض الوكالة في تقريرها الشهري صيغة من الانتعاش على شكل حرف V، على الرغم من أنها تقول إن الطلب سينخفض لبقية العام، بما في ذلك 26 مليون برميل في أيار (مايو). وللعام بأكمله، تتوقع الوكالة انكماش الطلب بمقدار 9.3 مليون برميل في اليوم.
في ظل هذه التوقعات، فإن صفقة تحالف "أوبك+" غير قادرة على إحداث انتعاش فوري للأسعار. استنادا إلى تقرير وكالة الطاقة الدولية "لا يوجد اتفاق مجد يمكن أن يخفض العرض بما يكفي لتعويض خسائر الطلب على المدى القريب". لكن الوكالة اعتبرت صفقة تحالف «أوبك+» "بداية قوية" يمكن أن تقلل تراكم المخزونات. إضافة إلى ذلك، أنهى اتفاق خفض الإنتاج حرب الأسعار بين أكبر مصدري النفط في العالم، وجاء بعد مشاورات ماراثونية برعاية الولايات المتحدة.
ونظرا لأن اتفاق تحالف "أوبك+" لا يرقى لمستوى انهيار الطلب على النفط، فإن مزيدا من التخفيضات في العرض متوقعة، سواء قامت الحكومات بتفويضها أم لا. مع امتلاء خطوط الأنابيب وخزانات التخزين، تنهار الأسعار المحلية في عدد من أسواق النفط في العالم. ففي كندا منذ نهاية آذار (مارس) تم تداول خام Western Canada Select بأسعار دون عشرة دولارات للبرميل، وقت كتابة هذا التقرير يتم تداوله بأقل من خمسة دولارات للبرميل. وفي الولايات المتحدة انخفضت أسعار خام غرب تكساس الوسيط في الميدلاند إلى عشرة دولارات للبرميل، في حين انخفض غرب تكساس عالي الكبريت في الميدلاند إلى سبعة دولارات للبرميل. هذه هي الأسعار التي تفرض عمليات إغلاق فورية للإنتاج.
بعد اتفاق "أوبك+" على خفض الإنتاج، بدأ الجدال بين شركات النفط الصخري الأمريكية حول ما إذا كان ينبغي للجنة السكك الحديدية في تكساس تنظيم الإنتاج أم لا. في هذا الجانب، قال أحد المديرين التنفيذيين لشركة Pioneer Natural Resources "إذا لم تنظم لجنة السكك الحديدية في تكساس الإنتاج على المدى الطويل، فسنختفي كصناعة مثل صناعة الفحم". يأتي هذا التعليق بعد أعوام من تفاخر المديرين التنفيذيين لشركات النفط الصخري بانخفاض أسعار تعادل low breakeven prices إنتاجهم. لكن فكرة تنظيم الإنتاج أثارت حفيظة المديرين التنفيذيين الآخرين في الصناعة، حيث يشير بعضهم إلى أن المنتجين ربما يحاولون إيجاد ثغرة قانونية في عقودهم. وهددت شركة Diamondback Energy بوقف جميع العمليات إذا فرض المنظمون في تكساس تخفيضات في الإنتاج. وقال المدير المالي لـDiamondback Energy إن الشركة لن تستعين بأي شركة خدمات نفطية لحفر الآبار أو إكمالها أو إنتاجها خلال فترة تنظيم الإنتاج، وحذر من أن قطاع الخدمات سيكون بلا عائد ولا عمل. الواقع إن ما ستفعله لجنة السكك الحديدية في تكساس لن يكون له تأثير كبير، حيث إن تخفيضات الإنتاج حاصلة بطريقة أو بأخرى.
حيث من المتوقع أن تنكمش الاستثمارات في المشاريع الاستخراجية Upstream عالميا بنسبة 32 في المائة هذا العام، لتصل إلى 335 مليار دولار. أول من سيقوم بخفض الإنفاق هي الولايات المتحدة وكندا. في هذا الجانب، قالت وكالة الطاقة الدولية "لقد أشارت الشركات الاستخراجية الأمريكية المستقلة المثقلة بالديون بالفعل إلى خفض الاستثمارات بنسبة 10 في المائة على أساس سنوي، لكن من المرجح الآن أن ينخفض الإنفاق بنسبة 30 - 40 في المائة للحصول على النقد لتسديد أجور الخدمات النفطية".
وأضافت الوكالة أن ما يقرب من 2.2 مليون برميل في اليوم من إمدادات النفط الأمريكية لا يمكنها حتى تغطية تكاليف التشغيل مع تراجع أسعار خام غرب تكساس الوسيط إلى 20 دولارا للبرميل، بما في ذلك 1.2 مليون برميل في اليوم من إمدادات النفط التقليدية. ويمكن أن تأتي خسائر أخرى بالإنتاج تقدر بنحو 1.3 مليون برميل في اليوم من الانخفاض الحاد في إنتاج النفط الصخري الحالي نتيجة التراجع الطبيعي في الآبار Natural Decline Rate.
إنشرها