سطل الفناجيل

إذا كانت سرعة تفشي فيروس "كوفيد ــ 19" مع غموض شبحي لا تدركه الأبصار، أحدثت وعيا جبريا في مخاخنا، فإن أول الضحايا ــ فيما بعد كورونا إن شاء الله ــ يجب أن يكون سطل الفناجيل، فهذا الوعاء الذي يستخدم للغسيل في مناسبات واستراحات وكشتات، مصدر خطير لنقل العدوى، خصوصا في المناسبات، لأنه مهما كان القهوجي من فريق الخدمة أنيق اللباس يرتدي بدلة أو دقلة، فإنك في الواقع لا تعلم ما يحدث في الغرفة القاصية التي يتم فيها الإعداد لفنجال قهوة أو كأس عصير، أما ثاني ما يتمنى التضحية به ــ فيما بعد كورونا إن شاء الله ــ فهو "التلزيم" أي الإصرار بدافع التكريم والتقدير على الضيف بأكل أو شرب أو مكان. لا تلزم على أحد لا بشرب ولا بأكل، لا بفنجال ولا بلقمة، لقد تعلمت الآن على يد فيروس كورونا أن العدوى تنتقل بأشكال عدة لا تخطر على البال، فكيف بقطعة لحم تقطعها لضيف بأصابعك المبتلة بلعابك، هذا ليس من إكرام الضيف بل من إمراضه، وإذا كان الجهل بهذا الاحتمال مبررا سابقا فهو لم يعد كذلك الآن بعد الدرس القاسي من فيروس كورونا، وهل هناك أقسى من عدد الوفيات في العالم دون تشييع خوفا من العدوى، وآلام المرضى وفزع البشر ووقوف دول العالم أجمع على رجل واحدة بسبب فيروس لا يرى. وإذا كان البعض منا سلم الآن بأن السلام مصافحة أصبح من الماضي.. مؤقتا كما يتوقع، وأن السلام بالنظر وعن بعد، أطيب وألطف فمن المأمول أن يتحول هذا إلى عادة جديدة واعية يشجع عليها لأن تكون هي العادة الحميدة وما خالفها هو المنبوذ، وإذا كان المصافح و"التلامس" يؤدي للعدوى حتى أصبح هو طريق الفيروس السريع، فمن الأولى أن يضم إليه تقبيل الأنوف أو تلامسها خاصة، أن الأنف وهو رمز القيمة في ثقافتنا الشعبية هو أيضا معبر ومخرج كل الأمراض التنفسية الأكثر انتقالا بالعدوى، فكأننا أو كأن بعضنا بطريقة سلامه الأنفية يشيد جسورا مرصوفة لنقل العدوى بشكل أسرع من تشييد الصين لمستشفاها الشهير في بؤرة اندلاع شرارة كورونا.

إعادة النظر في عادات لتكون أفضل، يمكن أن تحقق النجاح إذا ما عود الفرد نفسه عليها والتزم بها، وليس هناك أفضل من هذه "الدورة" الكورونية القسرية لنستمر بالتطبيق بعد انجلاء البلاء إن شاء الله.           

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي