default Author

التأقلم مع حالة الإغلاق بسبب كورونا «1 من 2»

|

 ماذا لو استغللنا أزمة فيروس "كوفيد - 19"، لنستعيد أواصر التواصل مع أنفسنا والآخرين؟ في عالمنا شديد الترابط، هل من الممكن الهروب من الوباء؟ ذلك كان أول سؤال تبادر إلى ذهني عندما لجأت إلى منزلي في إحدى المناطق النائية الريفية جنوب فرنسا. وأثناء النظر إلى أشجار الزيتون تذكرت قصتين قرأتهما منذ عدة أعوام.

تعيد القصة الأولى رواية حكاية قديمة تجري في بلاد ما بين النهرين واسمها "موعد في سامراء". الحكاية تقول: إن أحد التجار في بغداد أرسل صبيه إلى السوق لشراء بعض الحاجيات، فعاد الصبي مذعورا وقد تغير لونه. قال لسيده: إنه شاهد في السوق امرأة غامضة حدس أنها "ملاك الموت" وأنها بنظرتها إليه استشعر التهديد.
قال الصبي للتاجر: إن عليه أن يفر بعيدا، وطلب منه أن يستعير أحد خيوله ليسرع إلى سامراء، وهي بلدة تبعد 100 كيلومتر ليكون في مأمن من سيدة الموت وهذا ما حصل.
في تلك الليلة، وصل الصبي إلى سامراء، ومات ليلتها، لاحقا، رأى التاجر سيدة الموت، فسألها، لماذا نظرت إليه نظرة التهديد تلك إذا كان سيموت في كل الأحوال. قالت سيدة الموت: لم تكن نظرة تهديد بل كانت نظرة استغراب. فلقد فوجئت أني وجدته في بغداد، فموعدي معه كان في سامراء في تلك الليلة.
أما القصة الثانية فهي قصة قصيرة كتبها إدجار آلان بو، وتروي القصة محاولات الأمير بروسبيرو تجنب وباء خطير يعرف باسم الموت الأحمر عن طريق الاختباء في أحد الأديرة المحصنة وإغلاق الباب خلفه. ثم يقيم الأمير حفلة تنكرية مع عدة نبلاء آخرين. وفي خضم الاحتفالات تأتي شخصية غامضة متنكرة في زي ضحية الموت الأحمر وتشق طريقها نحو كل الغرف. بعد مواجهة هذا الغريب يتبين أن لا شيء داخل الزي، يطلق الأمير صرخة ويموت. ويموت الضيوف بدورهم واحدا تلو الآخر أيضا. كان الغريب الغامض، بالطبع، الموت الأحمر.
المغزى من كلتا القصتين أنه لا يوجد بشر، سواء خادم أو أمير بإمكانه الهروب من الموت. تبادرت هاتان القصتان إلى ذهني عندما أبلغني عامل البناء في حديقتي أن زميله تم تشخيصه بفيروس كورونا. وكانت تلك محاولتي للهروب بعيدا.
وفي الحديث عن الأثر النفسي للتباعد الاجتماعي على الرغم من أننا لا نستطيع الهروب من الموت لكن بإمكاننا بذل جهدنا لتأخيره. لذلك السبب يقوم عديد من الحكومات بتقييد حركة الأشخاص. كما يريدون من الجميع عزل أنفسهم واعتماد التباعد الاجتماعي. تعد تلك الإجراءات خطوات معقولة لتقليل انتشار العدوى وتخفيف الضغوط على النظام الصحي المثقل بالفعل. لكن من وجهة نظر أخرى ترى الأمور من الجانب نفسي، كيف ستؤثر هذه التدابير في الناس؟
من ناحية العمل، فإن الإقامة الجبرية لا تعد بالضرورة مشكلة وقد تكون في الواقع أمرا مرحبا به. على سبيل المثال، يمكن للأشخاص الذين يعملون في المكاتب مواصلة عملهم كما كانوا قبل إلى حد كبير، والفرق الرئيس يكون بتوفير مشكلة وتكاليف التنقل. بالنسبة للآخرين، فإن الوضع أكثر من ذلك.
يجب أن نأخذ في الحسبان أن الإنسان العاقل بداية وقبل كل شيء حيوان اجتماعي. أظهرت عدة أبحاث أن الأشخاص الناشطين اجتماعيا يكون مستوى الصحة النفسية والبدنية لديهم عاليا. فنحن البشر لدينا رغبة قوية في الانخراط اجتماعيا مع الآخرين. مع حظر جميع التجمعات الاجتماعية، من المؤكد أننا سنرى الوجه القبيح للوحدة. وسيتأثر بعض الأشخاص بالعزلة إلى حد كبير... يتبع.           

إنشرها