Author

انهيار الأسعار وكورونا يهددان التحول في نظام الطاقة

|

حتى وقت قريب، نجحت "أوبك" وشركاؤها في إدارة أسواق النفط، لإبقاء الأسعار عند مستويات مرتفعة نسبيا في مواجهة التباطؤ العالمي في الطلب، لكن في غضون وقت قصير تغير كل شيء. حيث لم تعد روسيا مستعدة لمواصلة دعم الأسعار على حساب خسارة حصتها في السوق لمصلحة الولايات المتحدة، وانسحبت من الاتفاق في نهاية آذار (مارس) بعد رفضها الموافقة على مزيد من التخفيضات لتنهي بذلك اتفاق خفض الإنتاج، الذي تم التوصل إليه في كانون الأول (ديسمبر) 2019، وتترك أعضاء "أوبك" أحرارا في زيادة الإنتاج. ما فاقم الوضع هو، الانخفاض غير المسبوق في الطلب على النفط مع ظهور الآثار الاقتصادية لتفشي وباء فيروس كورونا، الذي يجب على منتجي النفط التعامل معه الآن. تأتي هذه التداعيات في الوقت، الذي بدأ فيه التحول في نظام الطاقة العالمي يكتسب زخما، تطرح هذه التطورات عديدا من التساؤلات: هل يمكن أن يؤدي الجمع بين انخفاض أسعار النفط وأزمة فيروس كورونا إلى إيقاف هذا التحول عن مساره؟ هل ستؤدي الأسعار المنخفضة "التي تحوم حول 25 دولارا للبرميل في وقت كتابة هذا التقرير" إلى ابتعاد الشركات والحكومات عن اتفاقية باريس والتزامات خفض الانبعاثات الأخرى؟ هل ستضطر شركات النفط العالمية، التي تقود الطريق إلى مستقبل خال من الكربون إلى إعادة النظر في هذه الطموحات بسبب نقص الأموال، خاصة إذا أصبحت متورطة بشكل متزايد في النزاعات حول العالم؟
تجدر الإشارة هنا إلى أن بعض أسواق الطاقة كانت بالفعل قبل ذلك تعاني ضعف الأسعار، حيث كانت أسعار الغاز الطبيعي عند أدنى مستوياتها التاريخية. علاوة على ذلك، امتد تأثير تفشي فيروس كورونا إلى ما هو أبعد بكثير من عمليات تسليم الغاز الطبيعي المسال في الصين، التي لا تزال تستدعي حالة القوة القاهرة force majeure بموجب عديد من عقود التوريد الخاصة بها. ومع اكتشاف إصابة أحد العاملين في منصات الحفر في بحر الشمال بفيروس كورونا، يجب على الصناعة أن تستعد لعمليات إغلاق محتملة على نطاق واسع قد تعوق الإمدادات وتسبب مشكلات في الأداء. من الناحية التعاقدية من المحتمل أن يؤدي هذا إلى ارتفاع معدلات إنهاء العقود أو تعليقها، مطالبات بتعويضات عن التأخير، مطالبات بتكاليف التأخير للشاحنين، وخسائر في سلسلة التوريد بصورة عامة، ما يؤدي إلى تعطيل الصناعة على نطاق واسع. لا تقتصر آثار فيروس كورونا في قطاع النفط والغاز بل تتعداه إلى مصادر الطاقة المتجددة. بالنظر إلى حجم إنتاج الألواح الشمسية في الصين، فقد تضرر عديد من مشاريع الطاقة الشمسية حول العالم بشدة بسبب الإغلاق. بالمثل تأثر إنتاج البطاريات، وحدث بعض الانقطاع في توريد التوربينات من الصين وإيطاليا وإسبانيا.
ونتيجة لذلك، تعرضت خطوط ائتمان الشركات إلى ضغوط كبيرة حيث يراقب المقرضون عن كثب قدرة عملائهم على اجتياز الانكماش الناجم عن الفيروس، قد تتأخر مشاريع الطاقة مع احتمال حدوث عديد من الانتهاكات لتعهدات التمويل، وإذا كانت هذه التأخيرات تؤدي إلى إنهاء حقوق شراء الكهرباء off-takers الذين يعانون بالمثل، فإن المشاريع الأكثر هامشية قد تواجه الإلغاء.
إذن، ما الذي يمكن أن تفعله شركات الطاقة لحماية نفسها؟ حتما ستقوم الشركات الرصينة بتقييم مخاطرها صعودا وهبوطا في سلسلة توريد الطاقة والبحث عن طرق ضمان أفضل، على سبيل المثال، مرونة أكبر في سلسلة التوريد. كما أنهم سيجرون مناقشات استباقية مع الموردين والعملاء، يقومون بمراجعة عاجلة لبنود حالة القوة القاهرة، تغيير القوانيين، إجراء تغييرات جوهرية وتحوطات أخرى في عقودهم الرئيسة، مع الأخذ في الحسبان المشورة لإعادة التمويل والهيكلة فيما يتعلق بالالتزامات طويلة الأجل.
حسب الموقف، قد يحاول بعض شركات الطاقة استباق النزاعات، التي تقريبا لا مفر منها من خلال الدعوة إلى إعادة التفاوض على الأسعار، خصوصا في المشاريع الكبرى، التي تنطوي على إمدادات من الغاز الطبيعي المسال، على أمل أن يمكن إعادة التفاوض على الاتفاقات طويلة الأجل لتعكس التسعير الحالي.
بالطبع ستكون هناك مقاومة من البائعين، لكن في سوق يتحكم فيها المشتري buyer’s market، قد يكون من الأفضل محاولة التفاوض على أسس مستقبلية لوفرة العرض الذي بدأ في البناء في ظل انخفاض الطلب من الصين وأماكن أخرى في العالم نتيجة تفشي فيروس كورونا، بدلا من مقاومة أي إعادة للتفاوض على الأسعار التي قد تنتهي بعملية تقاض طويلة ومكلفة. سيحاول معظم الشركات خفض التكاليف الإدارية مرة أخرى وربما خفض عدد العاملين، لكن بعد أن قاموا بعمل مشابه قبل خمسة أعوام تقريبا، قد لا يكون هناك مجال كبير لإحداث فرق يذكر. قد تشعر الشركات الأكثر حذرا، أو تلك الأكثر عرضة لخطر التقاضي بأن الوقت حان للاستعداد للتقاضي.
لكن ربما يؤدي انهيار الأسعار، تعطل العرض وتراجع الطلب إلى إقناع بعض الشركات بتسريع أو تنفيذ الالتزامات المتعلقة بالتحول في نظام الطاقة. في هذا الجانب حذرت وكالة الطاقة الدولية من أن التباطؤ الحاصل في جميع مجالات الحياة قد يعوق تنفيذ تقنيات الطاقة النظيفة، كما شجعت الحكومات على التأكد من أن حزم التحفيز الخاصة بها تشجع مباشرة على عملية التحول في نظام الطاقة.
قام عديد من الحكومات الأوروبية بتمديد المواعيد النهائية لمشاريع الطاقة المتجددة أو توفير المرونة في الحوافز القائمة، واتفق قادة الاتحاد الأوروبي الـ27 خلال اجتماع طارئ لهم قبل أسبوعين على أن خطة الإنعاش الاقتصادي المتعلقة بفيروس كورونا للاتحاد يجب أن تكون متسقة مع التحول إلى الطاقة النظيفة. لم يتم تحديد تفاصيل خطة الإنعاش بعد، لكن إذا حذت الدول الأخرى حذوها وأدرجت اعتبارات المناخ في حزم الإنقاذ الخاصة بها، فقد يكتسب التحول في نظام الطاقة زخما متجددا بعد ذلك.

إنشرها