العقل قبل المعدة
قبل أسبوعين سألت صديقا من المقيمين الأجانب عن أوضاعه واستعداداته الغذائية، خاصة أن عائلته ليست معه، فأخبرني أن "مخزونه الاستراتيجي" على حد تعبيره هو بضعة كيلوجرامات من الشوفان، والحليب طويل الأجل، ومياه الشرب، وأن لديه ما يكفيه منها لنحو شهر.
أسماه "الاستراتيجي" لأنه سيستخدمه في حالة الطوارئ القصوى، وهو ما لا يتوقعه ولا نتوقعه - بإذن الله - في المملكة من خلال سير أمور التموين، لكنها الغريزة الإنسانية، وهو يستغرب أن بعض أبناء جلدته وجلدتنا يشترون الأغذية نفسها بكميات كبيرة، لأنهم يودون أن يبقوا أطول فترة ممكنة على المنوال الغذائي نفسه، أو فلنقل على منوال الأكل نفسه.
في المقابل الثقافي الغذائي يكفينا التمر والحليب والماء كمخزون استراتيجي، وربما القمح، والباقي يجب التعامل معه بشكل طبيعي، فليس هناك نقص في الأسواق ولله الحمد، ومستوى الرقابة والمتابعة من الحكومة جدير بالثناء.
أقول ذلك ليس لتزهيد الناس في الاستمتاع أثناء الحجر المنزلي، رغم تحفظي على عد الأكل جزءا من الترفيه، لكن لأن كثيرا من الخروج غير المبرر، والتجمعات، واصطحاب الأطفال سببه أو حجته شراء التموين، أو مستلزمات مرتبطة بالطبخ، حتى إن بعض السيدات والآنسات يشترين "معدات" لرمضان كالمعتاد، وأعتقد أن ذلك من أسباب عدم نجاح منع التجول الجزئي بالكامل.
الغريب أن الجميع يتكلم عن الرياضة المنزلية، والرشاقة المنزلية، رغم أن الفرصة لتقليل الطعام ليس هناك أفضل منها اليوم، فبعض الجوع أفضل من كل الشبع، وله محاسنه في تهذيب النفس، والاقتراب من صفاء الروح، وتقوية الجسد، وربما المناعة بما أنها الشغل الشاغل للعالم اليوم، وفي مقدمة ابن خلدون قرأنا "وأعلم أن الجوع أصلح للبدن من إكثار الأغذية بكل وجه، لمن قدر عليه، وأن له أثرا في الأجسام والعقول في صفائها وصلاحها".
نحن في بلادنا ومنذ عقود لا نجوع ولله الحمد، بل إننا دائمو الشبع، بل أزعم أننا نأكل كثيرا لأننا تعودنا، وكأنه "جوع مبرمج"، أو "الجوع النفسي" الذي يضع له الخبراء تسعة أسباب يهمني منها " الشعور بالملل يدفع البعض إلى الرغبة في تناول مزيد من الطعام".
الخروج للتموين "الضروري" يكفيه شخص واحد من كل بيت يخرج مرة في الأسبوع، حتى استقباله عن طريق التطبيقات يجب أن يكون كذلك، فنحقق نجاحا أكبر للمنع، وصحة أفضل للأبدان، وحفظ الله الجميع.