هو أول مرض ينتصر عليه البشر لكنه شوه وسبب العمى للملايين، عدا عن قتل نحو 30 في المائة من المصابين به. حمله الأوروبيون معهم إلى الأمريكيتين نهاية القرن الـ15، ليفتك بالسكان الأصليين ويتسبب في وفاة نحو 20 مليون شخص، أي نحو 90 في المائة منهم. ساعد هذا الوباء الأوروبيين على استعمار المناطق التي خلت من أصحابها بالقتل والمرض وتغير تاريخ الأمريكيتين، والعالم بأكمله!
التقارب والازدحام في مدن العالم القديم وكثرة اختلاطهم بالحيوانات وقرب حظائرهم من أماكن السكن، أسهم في انتشار الأوبئة، وشاع الجدري فيهم ومات كثير منهم مع غياب الأدوية، أما الناجون منه فكانوا يمتلكون مناعة ضده ولا يصابون به مرة أخرى، لكن ذلك لا يمنع كون البعض يحمل المرض دون أن تظهر عليه أي أعراض، لكنه ينقله للآخرين!
غزا الأوروبيون القارة الجديدة حاملين معهم حيوانات غير معروفة هناك مثل، الأحصنة والأبقار والدجاج، وأسلحة متطورة لم يسبق للسكان الأصليين أن رأوها أو حتى تخيلوها، وهذا ليس كل ما حملوه والذي شكل سلاحا أقوى من كل أسلحتهم الملموسة، لقد جلبوا معهم أمراضا وأوبئة العالم القديم سواء هم كأفراد أو حملتها حيواناتهم، تضمنت الإنفلونزا والحصبة وأمراضا أخرى. كان الجدري الأكثر فتكا دون منازع. لقد عم العالم وهاجمنا في شبه الجزيرة العربية وعرفت تلك السنة بسنة الجدري، تعمق جيدا في وجوه أجدادك ستجد بصمته في وجوههم!
تسبب الجدري في انتصار الأوروبيين وتضخم هائل لاقتصاد الإمبراطورية الإسبانية التي استغلت الثروة المعدنية من ذهب وفضة في أمريكا اللاتينية، لتكون نقطة تحول في تشكيل الرأسمالية الحديثة!
ولم يكن شرا محضا فقد حمل أول بشائر قدرات البشر وانتصاراتهم ضد ذلك المخلوق المتناهي في الصغر، ففي عام 1980 أصبح الجدري أول مرض يتم القضاء عليه بشكل كامل بسبب اللقاحات، لكن قد يسهم انتشار الحركات المعادية للقاحات في عودته مجددا.
ليأتي "المرض المنسي" أو الملاريا ليحتل مرتبة متقدمة بين الأمراض المعدية كونه لم يقض عليه حتى الآن، حيث يوجد نحو 200 مليون مصاب به حول العالم، مع معدل وفيات يتجاوز نصف مليون وفاة كل عام بسبب المرض ومضاعفاته. المتضرر الأكبر هو القارة الإفريقية. وما يزيد من خطورته الفقر وما يصاحبه من قلة النظافة والتلوث البيئي فضلا عن مقاومة المرض للمضادات الحيوية بسبب الإفراط في استخدامها!
تسبب المرض، إضافة إلى الموت الذي قضى على نحو 50 في المائة من المصابين، في ازدهار تجارة العبيد وذلك ليحيي المستعمرون الأراضي الزراعية التي استولوا عليها!