Author

هل سيغير كورونا من نماذج الأعمال؟

|

عندما تقبع طائرات العالم على المدرجات ويتوقف نقل الركاب بشكل شبه كلي في معظم أنحاء العالم، ويصاب بعض القطاعات بالشلل الكامل، وتتحرك الحكومات تحفيزا لاقتصاداتها بشكل قوي وسريع جدا، فإن الأكيد كذلك أن طريقة القيام بالأعمال ستتغير. الحديث عن الوضع العالمي والتاريخ المتوقع للتحسن الاقتصادي لم يعد مهما بقدر أهمية القدرة على البقاء وتجاوز هذه المرحلة الحساسة. فالضرر الذي وقع حتى الآن كفيل بتغيير كثير من سمات المستقبل. لهذا يطرح السؤال: هل هي مرحلة مؤقتة يشد فيها الحزام وتعود الأمور إلى طبيعتها بعد ذلك؟ أم أنها نقطة تحول باتجاه مرحلة جديدة بالكلية ستضطر فيها الأعمال إلى تغيير نماذجها وأساليب عملها؟

مما تثبته لنا الشواهد التاريخية أن المنشآت التي تحافظ على وجودها أثناء الأزمات الاقتصادية أو محطات التغيير تعود بشكل مختلف، بينما تلك التي تتجاوز الوضع في اللحظة الأخيرة وتتحمل الضرر ثم تصر على العودة بترتيبها السابق نفسه تدخل حالة من الموت البطيء. وهذا طبيعي ومتوقع، لأن الأزمات تصنع دائما ظروفا جديدة تتطلب من المرونة ما يمكنها من البقاء والاستمرارية.
هناك ثلاثة أسباب تجعل محطات التغيير الاستثنائية هذه توجب إعادة تقييم طريقة القيام بالأعمال. الأولى، تعد محطات التغيير نقطة انطلاقة للأنظمة والقوانين أو التعديلات التنظيمية الجديدة، سواء ما كان مواكبا للظرف الجديد أو ما كان احترازيا لتفادي آثار الكوارث والأخطاء التي تعلمناها منها. ثانيا، تغير محطات التغيير هذه من وسائل التواصل والحركة، ما يجبر المنشآت على تغيير أسلوب تعاطيها مع الأطراف التي تتعامل معها، وهذا التغيير يتعاظم إذا صادف تطورات تقنية واجتماعية سريعة التضخم من أثره. ثالثا، وهو أهم مما سبق، تغير الأزمات من سلوك البشر معرفيا واستهلاكيا من أبسط الأشياء، كالأكل والشرب، حتى إدارتهم لأموالهم ومهاراتهم، وهذا يعني وجوب فهم هذا التغيير والتأقلم معه.
وهناك ما هو أبعد من ذلك، إذ إن إدارة العمل أثناء الظروف الاستثنائية تجعل العودة دائما مختلفة، فما تم اكتسابه من تقوية أو تهشيم لثقافة المنشأة سيؤثر في المقبل من الأيام ولا يمكن تجاهله، وستظهر الآثار الدائمة محاولات القيادة وتنظيم العمل والفرق. كذلك، سيتحسن فهم منشآت الأعمال للقيمة التي تقدمها للمستهلكين وستتمرن إجباريا على سلوك مسارات إبداعية وربما ابتكارية لم تكن تنوي سلوكها. ومما لا شك فيه، ستصنع الظروف المالية الصعبة اختبارا للكفاءة يؤثر بشكل إيجابي في الممارسات التشغيلية، ومثل ذلك تحديات التوريد والإمداد؛ من يتجاوز مرحلة الحرج، سيخرج وهو أقرب للقوة والرشاقة.
في مثل هذه الظروف لا يمكن جر التصورات والتوقعات على كل القطاعات بشكل موحد، فهناك أعمال أصيبت بالشلل الكامل، وأخرى بشلل جزئي مؤثر، وهناك ربما قليل من الأعمال التي تزدهر في هذه الظروف، كمقدم الترفيه المنزلي "نتفليكس" ومصنعي منتجات النظافة والتعقيم ومقدمي خدمات الفيديو والمؤتمرات الإلكترونية؛ ومثال الأخيرة شركة زووم الشهيرة التي ارتفع سعر سهمها بشكل كبير، حتى إن هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية قامت بتعليق سهم لشركة ذات اسم مشابه ارتفع سعر سهمها كذلك بسبب جنون المستثمرين المتحمسين للشركة الأولى واشتروا الثانية بالخطأ. هناك بالطبع قائمة من المستفيدين الذي تمكنوا من استثمار لوجستيات التواصل والتوصيل جيدا، ما ساعدهم على الحضور في أوقات العزل. التغيير ليس محصورا في قدرة المنشأة على العمل عن بعد أو أوقات الوجود والعمل، فالواقع الجديد سيعج بالمنافسين الجدد الذين استغلوا وخرجوا بقيمة جديدة أو معدلة للمستهلك، وهذه من الآثار غير المباشرة التي قد تطيح بالشركات حتى بعد زوال الأزمة.
لا ننسى، لم تأت محطة التغيير هذه لتصنع التحول في عالم ثابت راكد، فبيئة العمل وسياقه تتغير بطبيعتها باستمرار، بل إن سلوك المستهلك في تطور مستمر، ونماذج الأعمال - حتى الراسخ منها - يجب أن يتغير ولو بعد حين. لكن مع وجود مثل هذه الظروف تحصل عملية تسريع أو تغيير مفاجئ للواقع، بما يعني احتياج الأعمال إلى مرونة غير اعتيادية في إعادة تشكيل وجودها وقوامها. على سبيل المثال، من دواعي تغيير نماذج الأعمال في الأحوال العادية: صعوبة الوصول إلى العملاء، ضبابية القيمة المقدمة، تغير شامل في التقنية أو الصناعة المؤثرة، أو توقف النمو؛ ومن يشاهد محطة التغيير التي نقف بها اليوم، يجد أن معظم هذه الدواعي يوجد في الوقت نفسه.
للإجابة عن السؤال الأساسي ينبغي للقادة والمسؤولين أن يقوموا بالخطوات التي تمكنهم من الوصول إلى الإجابة، حتى لو كانت الإجابة معروفة أو تم افتراضها مسبقا "سواء نعم أو لا"، فإن القيام بالخطوات لا يزال مهما، نقول "للتحقق" من الإجابة المفترضة إن لم يكن "لمعرفة" الإجابة السليمة. وهذه الخطوات تتشابه - حتى لو طرحها المستشارون بصيغ أو نماذج مختلفة - وتنحصر في بضع نقاط: مراجعة الواقع الحالي والنموذج القائم، جمع وتقييم حالات عدم التقين والضبابية التي تحاصر العمل، تصور النتائج والآثار المحتملة، تصميم التغييرات الممكنة وتنفيذها. ستكون الخطوة الأخيرة غير ضرورية لو كان الجواب "لا، نموذج العمل لا يحتاج إلى تغيير" وهذا نادر الحدوث.

إنشرها