Author

أزمة فائض العرض وهبوط الطلب

|

أدت التوقعات حول توسع رقعة تفشي فيروس كورونا إلى إعادة تقييم معدلات تراجع الطلب العالمي على النفط من قبل المصارف الاستثمارية والمؤسسات النفطية. في بداية الأزمة كان متوقعا أن تنخفض أسعار خام برنت إلى 30 دولارا للبرميل أو دون ذلك بقليل. وبالفعل انخفضت الأسعار إلى هذا المستوى المتدني، بل حتى إلى أقل منه، إذ سجل سعر خام برنت نحو 25 دولارا للبرميل. أما الآن، مع احتمالية تراجع الطلب العالمي على النفط بنحو 20 مليون برميل في اليوم، تشير التوقعات إلى احتمال تدني الأسعار إلى دون 20 دولارا للبرميل، وربما في المستقبل القريب إلى عشرة دولارات للبرميل.


في ظل هذه التداعيات، تستمر موجة التخفيضات في الإنفاق على الصناعة النفطية، حيث أعلنت الشركات الرئيسة الآن تخفيضات كبيرة في الإنفاق في وقت لا تزال فيه أسعار النفط عالقة في نطاق 20 إلى 30 دولارا للبرميل. في بداية الأسبوع الماضي، أعلنت شركة رويال داتش شل، أنها ستخفض الإنفاق بنسبة 20 في المائة، أو نحو خمسة مليارات دولار، وستعلق خطة إعادة شراء الأسهم. كما أعلنت شركتا توتال الفرنسية العملاقة للنفط وEquinor النرويجية خطوات مماثلة.


وألمحت شركتا إكسون موبيل، وشيفرون، إلى أنهما ستخفضان ميزانيتيهما أيضا، وبصورة خاصة تتعرض شركة إكسون موبيل لضغوط من قبل المساهمين. في هذا الصدد، يقدر "جولدمان ساكس" أن "شيفرون" تحتاج إلى 50 دولارا للبرميل، من أجل تغطية الإنفاق وتحقيق أرباح. من ناحية أخرى، تحتاج شركة إكسون موبيل إلى حدود 70 دولارا للبرميل للغرض نفسه.


إن شركات النفط الكبرى بصورة عامة، أقل عرضة للانكماش مقارنة بشركات النفط الصخري الصغيرة ومتوسطة الحجم؛ لأنها تمتلك مصافي ومجمعات بتروكيماوية، عادة يكون أداؤها أفضل إلى حد ما من القطاع الاستخراجي Updtream عندما تنخفض الأسعار. المصافي، على سبيل المثال، تنفق أقل على النفط خلال فترة الانكماش الاقتصادي، وتترجم الأسعار المنخفضة أيضا إلى زيادة في مبيعات المنتجات المكررة.


لكن الشركات الكبرى، ليس لديها هذه الميزة هذه المرة. نحن في خضم انهيار تاريخي، أزمة فائض عرض وانهيار في الطلب لا سابق له، تختلف فيه التقديرات، لكن قد ينخفض استهلاك النفط بمقدار عشرة ملايين برميل أو أكثر. بعض التقديرات ذهبت إلى 20 مليون برميل في اليوم. لا يهم كم هي أسعار النفط الخام منخفضة، إن لم يكن هناك من يقود السيارات أو يسافر جوا أو يستهلك أي شيء بخلاف الأساسيات الضرورية، فلا توجد زيادة في الطلب من انخفاض الأسعار.


في الأسبوع الماضي على سبيل المثال، أعلنت شركة إكسون أنها ستخفض الإنتاج في مصفاة باتون روج، التي تعد ثاني أكبر شركة تكرير في الولايات المتحدة، لأن ضعف الطلب أدى إلى امتلاء الخزانات. كما قامت الشركة بخفض عدد المتعاقدين في الموقع بنحو 1800. في مثال آخر، قد يتوقف العمل نهائيا في مشروع البتروكيماويات الرئيس في منطقة أبالاتشي مع توتر السوق.
بالفعل أصبحت الجولة الأولى من تخفيضات الإنفاق على الصناعة النفطية واضحة للعيان الآن، لكن الجولة الثانية بدأت؛ وفقا لتقرير صادر من "جولدمان ساكس". ويتوقع البنك الاستثماري انخفاض إنتاج النفط الأمريكي بنحو 1.4 مليون برميل في اليوم تقريبا على مدى خمسة أرباع بعد الربع الثاني من العام بسبب تراجع نشاط الحفر "أي قبل التفكير في إغلاق الآبار المنتجة حاليا، التي من المحتمل أن تكون مطلوبة" مع انخفاض النفقات الرأسمالية للشركات التي شملها التقرير بنسبة 35 في المائة على أساس سنوي عام 2020.


ومع ذلك لم تنته بعد؛ المراجعات الهبوطية لميزانيات الشركات. إذ يمكن أن يتزايد التراجع في الإنفاق والحفر، وفي نهاية المطاف في الإنتاج مع زيادة تخفيضات النفقات الرأسمالية بشكل أكبر. في هذا الصدد، يتوقع عديد من المحللين، انهيار نشاط الحفر في حقول النفط الأمريكية مع انخفاض أسعار خام غرب تكساس الوسيط إلى ما دون 25 دولارا للبرميل. بالفعل الجولة الأولى من التخفيضات وضعت الإنفاق عند نحو 45 في المائة دون مستويات عام 2019. من المتوقع أن تكون جولة التراجع الثانية أكثر دراماتيكية بكثير من هذه التخفيضات الأولية، لكن الشركات ستكون أكثر تحوطا ورسملة. مع استمرار تداول خام غرب تكساس الوسيط دون 25 دولارا للبرميل، ومن المحتمل أن ينخفض إجمالي النفقات الرأسمالية الأمريكية بما يزيد على 65 في المائة.


في الأسبوع الماضي، وضعت شركة ريستاد إنرجي Rystad Energy تقديرا مشابها. وفقا للشركة، يرجح أن تخفض شركات الاستكشاف والإنتاج إنفاقها على المشاريع الاستخراجية، بنسبة تصل إلى 131 مليار دولار، أو نحو 68 في المائة على أساس سنوي. سيتعين عندها على الشركات إلقاء نظرة فاحصة على مستويات التكلفة وخطط الاستثمار لمواجهة التأثير المالي لانخفاض الأسعار والطلب. قال رئيس قسم أبحاث خدمات الطاقة في شركة ريستاد إنرجي، إن الشركات بدأت بالفعل تخفيض إنفاقها الرأسمالي السنوي لعام 2020.


بالطبع لا أحد يستطيع أن يجزم بصورة قاطعة إلى أي مدى ستنخفض أسعار خام غرب تكساس الوسيط وبرنت. لكن عديدا من المحللين أشاروا إلى، أن احتمالية وصول طاقات التخزين إلى أقصى حد، قد يؤدي إلى انخفاض أكبر في الأسعار. في هذا الجانب قالت شركة JBC Energy في تقرير لها صدر الأسبوع الماضي، "لا يمكن لأحد أن يتأكد تماما من أن الإنتاج سيتم إغلاقه بسرعة كافية حيث لا نتجاوز قدرتنا على تخزين النفط". أشارت الشركة إلى، أن مصافي التكرير تخفض معدلات التشغيل لأن طاقات التخزين بدأت تنفد منها، مثل مصفاة إكسون باتون روج. وخلصت الشركة إلى القول، "في مثل هذه البيئة من الممكن أن تتراجع أسعار برنت لفترة وجيزة إلى عشرة دولارات للبرميل كما حصل عام 1986 أو 1998".

إنشرها