Author

ديموغرافية «كورونا»

|

 أذهل العالم انتشار هذا المخلوق الصغير، الذي لا يرى بالعين المجردة، ومدى تأثيره في الاقتصاد والسياحة وحركة النقل الجوي والأرضي والبحري سواء على مستوى الدول أو القارات أو العالم أجمع، علاوة على تأثيره في الحياة الاجتماعية للشعوب. وتميز هذا الفيروس «كوفيد - 19» عن إخوته في مجموعة فيروسات كورونا، مثل،"سارس"؛ الذي ظهر عام 2003، وأدى إلى وفاة نحو ألف شخص، ثم فيروس كورونا؛ متلازمة الشرق الأوسط، الذي أودى بحياة 862 شخصا عام 2012، بسرعة انتشاره وقدرته على الانتقال من إنسان إلى آخر، بعكس متلازمة الشرق الأوسط الذي ينتقل من الحيوان إلى الإنسان.

على أي حال، ارتفع معدل الإصابة بدرجة سريعة في بعض الدول مثل الولايات المتحدة، التي تصدرت قائمة دول العالم في الوقت الحاضر من حيث عدد الإصابات، متجاوزة الصين وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا وفرنسا، ولكن تبقى إيطاليا في رأس القائمة من حيث عدد الوفيات. وعند حساب معدل الإصابة لكل مليون نسمة، تأتي آيسلندا ولكسمبورج وإيطاليا وإسبانيا وسويسرا (على الترتيب) في رأس قائمة الدول؛ لتتجاوز جميع دول العالم بما فيها الصين والولايات المتحدة.
من جهة أخرى، يتباين معدل الوفيات من دولة لأخرى مقارنة بالمعدل العالمي البالغ 5 في المائة، فيرتفع إلى نحو 8 في المائة في إيطاليا، وإلى 6 في المائة في إيران، و5 في المائة في إسبانيا، وينخفض في الصين إلى 4 في المائة، وإلى أقل من ذلك في أمريكا نحو 2 في المائة.
من المؤسف، أن هذا الفيروس يفتك بكبار السن أكثر من غيرهم، فمعظم الوفيات تتركز في هذه الفئة، ويصل معدل الوفاة لكبار السن 80 سنة فأكبر، إلى 22 في المائة مقارنة بنحو 0.2 في المائة للأشخاص، الذين تقل أعمارهم عن 50 سنة، مع تفاوت كبير بين الدول، فمعدل الوفيات بين كبار السن الذين أعمارهم 80 سنة فأكثر في كوريا لا يتجاوز 7 في المائة فقط. ويقدر معدل الوفيات بين السكان في الفئة العمرية ما بين 70 و79 سنة إلى 8 في المائة، وتنخفض النسبة للسكان في الفئة 60 إلى 59 إلى 3.6 في المائة، ثم إلى 1.3 في المائة في الفئة 50 – 59 سنة، وإلى 0.4 في المائة في الفئة 40 إلى 49 سنة، ثم إلى 0.2 في المائة للفئات العمرية الأصغر من ذلك. ويرتفع معدل الوفاة بين الذكور إلى 4.7 في المائة مقارنة بالمعدل بين الإناث (2.8 في المائة). ومقارنة بمعدل الوفاة العام الذي يقدر بنحو 5 في المائة، فإن المعدل يرتفع بين المصابين بأمراض مزمنة، فمعدل الوفاة بين المصابين بأمراض القلب يصل إلى 13.2 في المائة، وإلى 9.2 في المائة بين مرضى السكري، وإلى 8 في المائة بين المصابين بأمراض الجهاز التنفسي وضغط الدم، وإلى 7.6 في المائة بين المصابين بالسرطان.
ولا شك أن التفاوت بين الدول في معدلات الإصابة والوفيات يعود – ولو جزئيا – إلى طبيعة التركيب العمري، الذي يتسم بنسب شيخوخة مرتفعة جدا، كما هو الحال في معظم الدول الأوربية، إلى جانب التفاوت في الأنظمة الصحية ومدى فاعليتها، ولا يقل عن ذلك أهمية، سرعة اتخاذ القرارات الوقائية؛ كتعليق المدارس والمقاهي ومنع التجول ونحوها. فبالنسبة للشيخوخة، فإن اليابان تتصدر دول العالم من حيث ارتفاع نسبة كبار السن (65 سنة فأكبر) بنسبة 28 في المائة، أي أن نحو ثلث السكان يصنفون في هذه الفئة، تليها إيطاليا بنسبة 23 في المائة، ثم ألمانيا بنحو 21، وفي فرنسا وإسبانيا تصل النسبة إلى 20، في حين تنخفض في الصين إلى 12 في المائة، وفي الولايات المتحدة إلى 16 في المائة. أما الدول النامية، فلا تتجاوز 3 في المائة في الكويت والبحرين، وأعلى من ذلك قليلا في السعودية، ونحو 5 في المائة في مصر، و7 في المائة في المغرب و9 في المائة في تونس. ومن المطمئن أن أعضاء مجموعة العشرين تعهدوا في اجتماعهم الافتراضي، الذي استضافته المملكة بنجاح قبل أيام، بدعم منظمة الصحة العالمية وزيادة التمويل المخصص للبحث والتطوير من أجل التوصل إلى لقاحات وأدوية، إضافة إلى ضخ نحو خمسة تريليونات دولار للحد من آثار جائحة كورونا في الاقتصاد العالمي. وتجدر الإشارة إلى أن جهود المملكة تميزت في مكافحة الفيروس والحفاظ على سلامة الناس داخل حدودها من خلال الشجاعة في اتخاذ قرارات صعبة بسرعة كبيرة وصرامة في التطبيق؛ ما حد من انتشار الفيروس بدرجة ملحوظة. وأعطى تعاون الجهات الحكومية والخاصة وكذا أفراد المجتمع السعودي صورة مشرقة عن المملكة؛ ما يعكس الوعي المرتفع لدى الشعب السعودي وتفاعله الإيجابي مع جهود الدولة.
في الختام، أحمد الله على سلامة وطننا، وأهنئ المجتمع السعودي على تحقيق نجاح كبير لجهود الدولة في الحد من انتشار هذا الوباء الخطير، وأتمنى إجراء دراسة عن خصائص المرض لفهمه بدرجة أكبر، والتعرف على طريقة انتشاره؛ ما يساعد على مكافحته ومكافحة الأوبئة الأخرى الطارئة في المستقبل.           

إنشرها