هل يحتاج الاقتصاد العالمي إلى خطة "مارشال" جديدة لإنقاذه من الركود؟

هل يحتاج الاقتصاد العالمي إلى خطة "مارشال" جديدة لإنقاذه من الركود؟

عندما يحذر أنجيل جوريا، الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، من أن العالم في حاجة إلى أعوام ليتعافى من التداعيات الاقتصادية لجائحة فيروس "كورونا"، وحين يؤكد أن الصدمة الاقتصادية الناتجة عن تفشي "الفيروس"، أكبر بالفعل من الأزمة المالية لعام 2008، وعندما يصرخ بأن الوقت قد حان "لتمزيق الحكومات قواعد الإنفاق المالي لإنقاذ الوضع"، فإن هذا يعني باختصار أن الاقتصاد العالمي يمر بمرحلة مفصلية فارقة في قدرته على البقاء متماسكا.
بالطبع، يتركز الاهتمام العالمي اليوم حول معدل النمو الاقتصادي المتوقع في ظل جائحة "كورونا"، حيث تصف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تقديرات بعض المؤسسات الدولية بأن المعدل سيبلغ 1.5 في المائة، بأنها تقديرات مفرطة في تفاؤلها، في ظل الخسائر المالية، التي مني بها الاقتصاد والتجارة الدوليان، وحزم المساعدات الاقتصادية التي تقدر بتريليونات الدولارات، والتي ستسفر في نهاية المطاف عن عجز ضخم في الميزانيات العامة.
في هذا الإطار، يوضح لـ"الاقتصادية"، الدكتور ماكس مورجان أستاذ المالية العامة في جامعة لندن، أن الركود الاقتصادي سينال من الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة وعديد من الدول الأوروبية، وأغلب الاقتصادات الناشئة في الأشهر المقبلة، حيث سيتقلص النمو إلى معدلات سلبية خلال الربعين القادمين من هذا العام.
ويستدرك قائلا: "حتى إذا لم يحدث ركود عالمي، فإن أغلب الاقتصادات ستحقق معدلات نمو صفرية أو سلبية، وهذا يعني أن الاقتصاد الدولي سيكون معدل نموه شديد الانخفاض، وربما يكون أقل معدل نمو في تاريخ الاقتصاد العالمي، وسيستغرق الأمر أعواما ليرتفع، فلا أحد يعرف الوقت المطلوب لإصلاح معدلات البطالة على سبيل المثال، ولا أحد يعلم عدد الأشخاص الذين انتهى بهم المطاف، أو سينتهي بهم المطاف بدون عمل، كما أن مئات أو آلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة ستفلس، وعلى الحكومات مساندتها للنهوض مجددا".
في ظل تلك الأوضاع، يطرح عدد من الخبراء الدوليين ما يعدونه حلولا مستقبلية للتعامل مع التبعات الاقتصادية المعقدة في مرحلة ما بعد فيروس "كورونا".
وتقول لـ"الاقتصادية"، الدكتورة لينزي جويل الاستشارية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إن "جوهر الحلول سيكون واحدا، لكن المقدرات المالية التي ستخصص ستعتمد على عدد من العوامل.. إذا أخذت الأزمة الاقتصادية شكل حرف V، فإن هذا يعني أن الاقتصاد الدولي لن يبقى كثيرا في فترة الركود، وأن الأسواق ستستعيد عافيتها سريعا، وربما يكون السبب وراء هذا السيناريو، أن المستهلكين ونتيجة السياسات المتبعة في أغلب دول العالم، التي تفرض حظر تجوال أو تغلق المحال التجارية والمطاعم وأماكن الترفيه، سيزداد الطلب عليها بشكل كبير للغاية بمجرد الانتهاء من جائحة "كورونا"، ووفقا لهذا السيناريو فسيكون هناك انخفاض حاد في النشاط الاقتصادي، ولكنه مؤقت متبوع بانتعاش سريع".
إلا أن هناك سيناريو آخر يرى أن الأزمة المقبلة ستأخذ شكل الحرف U، وهذا يعني أن الاقتصاد الدولي سيبقى فترة طويلة نسبيا في القاع، فالتوقف عن العمل لفترة طويلة وارتفاع معدلات البطالة يعني أنه لن يتوفر لدى المستهلكين سيولة مالية لتلبية احتياجاتهم في مرحلة ما بعد "كورونا"، ومن ثم لن يكون لديهم قدرة حقيقية على إنعاش الاقتصاد".
وأيا كان السيناريو الاقتصادي المتوقع، فإن الاقتصاد العالمي سيكون في حاجة إلى خطة مارشال، كالتي ساندت بها الولايات المتحدة الاقتصادات الأوروبية في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
يذكر أن مشروع مارشال (صدر رسميا باسم برنامج الانتعاش الأوروبي)، هو برنامج اقتصادي وافقت عليه أمريكا منتصف عام 1947 لتشجيع الدول الأوروبية على العمل معا، ويقضي بدعم مالي لإنعاش الاقتصادات الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، وأطلق عليه اسم مشروع مارشال، لأن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جورج مارشال كان أول من اقترحه.
من جهته يعتقد آندي جورج الباحث الاقتصادي أنه "ربما يكون المحور الرئيس للتغلب على الركود الاقتصادي الدولي المتوقع، قائما على الحاجة إلى عمل دولي جماعي ينحي التنافسية جانبا لبعض الوقت، من أجل عمل تعاوني ينهض بالاقتصاد الدولي".
ويطرح جورج فكرة الحاجة إلى صندوق مالي دولي يضم مساهمات اقتصادية من كل دول العالم، على أن يتم توزيع المخصصات المالية للصندوق وفقا للأولويات التي تسهم في نهوض الاقتصاد الدولي من كبوته.
وتحظى أطروحة آندي جورج بدعم عدد من الخبراء من منطلق أن وباء الفيروس "كورونا" يتجاوز كونه حالة طوارئ طبية واقتصادية عالمية، وإنما يمكن أن يمثل نقطة حاسمة في نظام التعاون السياسي والاقتصادي في عالم اليوم.
إلا أن عددا آخر من الخبراء يعتقد أن المؤشرات الراهنة تشير إلى أن فكرة التعاون الدولي لإنقاذ الاقتصادي العالمي قد لا تتسم بكثير من الواقعية، وأن الصين التي تعد أحد القطبين الرئيسين في الاقتصاد العالمي قد تم تهميشها في المناقشات الأولية لمجموعة السبع حول كيفية إنقاذ الاقتصاد الدولي.
ويوضح لـ"الاقتصادية"، الدكتور هارولد سميث أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة بروملي، أن "الصين ليست جزءا من مجموعة السبع، ولكن في بيان المجموعة المؤلف من 800 كلمة لم تذكر على الرغم من أنها الاقتصاد الرئيس الوحيد الذي خاض تجربة مكافحة الفيروس وتغلب عليها نسبيا"
ويواصل قائلا: "أرضية التعاون الاقتصادي الدولي غائبة، فالصين تتهم الولايات المتحدة بأنها المسؤولة عن نشر (الفيروس) في مدينة ووهان، والرئيس ترمب يطلق عليه اسم الفيروس الصيني".
ويعتقد سميث أن الشكوك الأوروبية تجاه الصين والاتهامات السابقة بأنها سعت إلى استخدام مبادرة الحزام والطريق لتفتيت الاتحاد الأوروبي، عبر جذب البلدان الصغيرة والاقتصادات الضعيفة مثل اليونان وقبرص ورومانيا وبلغاريا إلى جانب المبادرة، تجعل الأوروبيين غير راغبين في التعاون الاقتصادي مع الصين لإنقاذ الاقتصاد الدولي في مرحلة ما بعد "كورونا".
ومع إقرار عدد من الاقتصاديين بحقيقية الوضع المعقد فيما يتعلق بإمكانية التعاون الدولي للتصدي للمخاطر المحيطة بالاقتصاد العالمي، فإن البروفيسور "إل. دي آرثر" نائب رئيس اللجنة المالية لبنك إنجلترا، يعتقد أن الجميع سيجبر في نهاية المطاف على التعاون تحت الضغوط الناجمة عن الأزمة الاقتصادية المقبلة.
ويضيف لـ"الاقتصادية"، أن "السياسات المالية ستلعب الدور الرئيس لإنقاذ الاقتصاد الدولي، وطبيعة تلك السياسات ستجبر الجميع على التعاون، لأن تمسك كل طرف من الأطراف بمواقفه والتعنت برفض التعاون، سيصيب الجميع بالشلل وسيجعل الأوضاع أكثر سوءا".
ويشير آرثر إلى أن "الخلافات السياسية قد تعوق التعاون إلى حد ما، وربما تؤدي الاتهامات المتبادلة بين الأطراف المختلفة وتحديدا الصين والولايات المتحدة إلى عرقلة مسيرة التعاون نسبيا، ولكن التعاون والتنسيق سيكون ضرورة إجبارية، بسبب التداخل الاقتصادي، وأعتقد أن سياسة الحماية الاقتصادية والقيود الجمركية والتعريفات المرتفعة ستتراجع في الفترة المقبلة من قبل جميع الدول، وذلك لتحفيز النشاط الاقتصادي مجددا، ولجعل آليات السوق قادرة على التعامل بكفاءة أعلى في مواجهة القيود، التي فرضت على الاقتصاد الدولي نتيجة تفشي وباء كورونا".

الأكثر قراءة