نحن في حاجة إلى الرشد وليس القلق لمقاومة «كورونا»

ما لاحظته أخيرا هو انكباب كبار كتاب الأعمدة في الصحافة الغربية على التحدث مع متابعيهم وقرائهم حول فيروس كورونا القاتل، المعروف باسم "كوفيد ـ 19"، الذي هز الدنيا برمتها.

وفي الحقيقة لم ألحظ شيئا جديدا غير الذي نقرأه ونسمعه من المنظمات الصحية والعلماء والأطباء. بحثت كثيرا كي أقرأ كاتب عمود يتناول ماذا فعل هذا المرض الخبيث بنا وينقل تجربة حية لما يحدث في محيطه أو بيئته أو المؤسسة التي يعمل فيها، فلم أجد.
وشخصيا، بعد تسليم مقالي الأسبوعي لهيئة التحرير، أبدأ في البحث عن موضوع الأسبوع المقبل. وحاليا أرسل المقال في نهاية يوم الثلاثاء من كل أسبوع.
وفي يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي راودتني فكرة مراقبة الناس من حولي وجمع ما تقع عليه عيناي من ملاحظات وما تسمعه أذناي من دردشة، وإلقاء نظرة متفحصة على المراسلات التي تردني شخصيا أو ضمن مجموعات محددة حول هذا الفيروس الذي أتانا من حيث لا ندري.
وعدت إلى ملاحظاتي يوم الثلاثاء الفائت الذي أمضيته في كتابة المقال، والخلاصة التي توصلت إليها، أنني أخشى أن القلق من الفيروس ربما صار أشد وقعا من الفيروس نفسه.
وأبدع قصة قرأتها عن تأثير القلق في الناس، مستمدة من القصص القرآني حول النبي سليمان -عليه السلام. ويرد اسم سليمان في عدة سور منها، "ص والأنبياء". بيد أن قصته مع الهدهد -كما وردت في سورة النمل- واحدة من أكثر القصص القرآنية تأثيرا في المخيلة الشعبية.
القصة التي قرأتها قبل أعوام فيها خيال خصب. الكاتب يستبدل الهدهد بالنسر، ويتخيل حوارا جرى بين هذا الطير الجارح والنبي سليمان، الذي كان ملكا عظيما ويمتد ملكه إلى الإنس والجن والطير.
ويرفض النسر تقديم ولاء الطاعة لسليمان، معتدا بقوة بصره وطول أجنحته وحدة مخالبه. ويغادر النسر موكب الطير المصطفة أمام سليمان وكأنها في عرض عسكري غاضبا، والملك ينذره بالذي سيأتيه من حيث لا يدري.
وينغص الإنذار عيش النسر، حيث ينتابه القلق من الذي سيأتيه من حيث لا يدري. ويدب الخوف في عروقه، ويخسر ريشه ويعود مطأطئ الرأس وينضم إلى فوج الطير في إمرة سليمان.
ويلاحظ سليمان شحوب النسر وهو وضيع، محطوط القدر، فيبادره بالقول: "ما الذي أعادك إلى الحظيرة؟". يجيبه النسر: "قتلني القلق أيها الملك". يرد سليمان: "ألم أقل لك سيأتيك من حيث لا تدري".
قبل أن يهجم هذا الفيروس علينا، كان القلق الذي يصاحب الخوف من الإصابة بعارض صحي، من الأمراض النفسية المستعصية. عندما يصبح القلق مرضا، أي الخشية من أن المرض على الأبواب وأن الموت خلفه، تظهر علينا أعراض المرض حتى إن لم نصب به.
السويد تعد مصدرا عالميا لمواد التعقيم التي توفرها الدولة بأسعار زهيدة، وإذا بالمعقمات تختفي من المتاجر والأسواق. وبعدها تصدر الصحة بيانا تؤكد فيه أن غسل اليدين بالماء الدافئ وأي مادة صابونية يقتل الفيروس.
والقلق في كل مكان. يتهرب الناس من الذي يعطس أو يسعل. يخشى الناس لمس أقفال الأبواب وآخرون يلبسون القفازات قبل الدخول إلى الحمام.
يتجنب الناس لمس الحديد، لأن هناك تصورا بأن الفيروس يحبذ الالتصاق بالمعادن. وفجأة يتجنب الناس لمس أي معدن! تصور كيف نعيش لو لم نلمس المعادن.
يتجنب الناس الخروج إلى الهواء الطلق، وإذا بالأرصفة الجميلة التي تطل على البحيرات الخلابة في مدينتنا خالية من السابلة رغم شروق الشمس ودرجات حرارة تقترب من عشر درجات مئوية - وهذا طقس مثالي في السويد في مثل هذه الأيام.
نعم، يصبح مقدم أي جائحة مصدرا كبيرا للقلق، لكن قلما ندرك أن القلق هذا قد يبقى معنا ويتحول إلى مرض نفسي من الصعوبة التخلص منه.
تشير الإحصائيات إلى أن القلق النفسي الذي ينجم عن أمراض عصرنا هذا يعانيه بشدة نحو 40 مليونا من الشباب في أمريكا. وهؤلاء يتصرفون بغرابة عجيبة ومبالغة مفرطة في العناية بصحتهم. ماذا يفعلون الآن والقلق جعل تقريبا كل واحد منا يتخيل أن "كورونا" سيلتهمه غدا.
قرائي، اتباع التعليمات التي تصدرها الجهات الصحية الرسمية واجب، لكن حذار: القلق المفرط قد يتحول إلى مرض نفسي له آثاره السلبية وتبعاته.
أكون صريحا معكم، أنا مستمر في حياتي الاعتيادية كأن "كورونا" لم يكن، لكنني أتبع التعليمات الصحية الرسمية بحذافيرها.
لهذا، رغم نصائح وإنذارات عائلتي بعدم مغادرة المنزل، فأنا مصر على اتباع روتين حياتي، ولن أغيره إلا استجابة لتعليمات رسمية.
وفي هذا الأسبوع، أمضيت سويعات من أجمل أيام حياتي في البستان، معدا الأرض للزراعة، ومشعلا النيران في الأحراش التي لا أرغب فيها كي تتحول إلى سماد للنباتات التي سأزرعها.
أنذرني أصدقائي وأقاربي، لكن في غياب إرشاد صحي رسمي أن الذهاب إلى البستان واستنشاق الهواء الطلق سيشكل خطرا على صحتي، فإن الوقت الحالي مثالي للاستمتاع بالطبيعة.
وسألوذ بالرشد لتبديد القلق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي