Author

أسعار النفط نتيجة وليست سببا

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.

عام 2020 جمع مفارقات اقتصادية لم يشهدها التاريخ الاقتصادي منذ 30 عاما على الأقل من حيث نوعية وأسباب الأزمة وتعدد أطرافها سياسيا وجغرافيا، ولا سيما أن الأحداث المفاجئة كفيروس كورونا، سرعت وتيرة الأحداث بعد ضربه عمق الاقتصاد الصيني.
في هذا المقال، نتناول حالة الأسواق المالية والاقتصادية العالمية؛ لتفسير مدى تأثير قرار السعودية رفع الإنتاج النفطي إلى الحد الأقصى بمعدل 13 مليون برميل يوميا، وهل القرار كان سببا أو نتيجة لما يحصل في الأسواق المالية حول العالم؟
أصبح الاقتصاد العالمي مماثلا في تقلباته الطقس من حيث صعوبة التنبؤ وما قد تؤول إليه الأمور، ويعزى هذا الأمر إلى عدة أسباب اقتصادية وتعدد الأطراف عبر مناطق جغرافية مختلفة؛ لذا نرى أن صناع السياسات الاقتصادية في حال من الارتباك كما حصل مع "الفيدرالي الأمريكي" حين خفض سعر الفائدة 50 نقطة؛ كما أن تباطؤ حركة التجارة المقبلة من الصين شكلت فجوة في الإمداد العالمي؛ بسبب تعطل المصانع الصينية، وفي الوقت نفسه لم يكن الاقتصاد الأوروبي بأفضل حال، أما الاقتصاد الأمريكي فكان يستخدم أدوات وقرارات أكثر قسوة بهدف السيطرة على الاقتصاد الصيني، وقد نجح في تحقيق ذلك عبر فرض رسوم جمركية على معظم السلع الصينية، ما شكل ضربة أمريكية للاقتصاد الصيني عبر الحرب التجارية الماضية بين البلدين، ولا يمكننا عزل تقارير ونظرة صندوق النقد الدولي عن المشهد؛ فقد كان معظم تقارير صندوق النقد يحذر من هشاشة النمو الاقتصادي العالمي، وضعف تماسك معدل نمو متوسط الناتج المحلي لمعظم الاقتصادات.
أما على مستوى النظام الاقتصادي، فإن تنامي معدل نمو ديون الدول سواء في اقتصادات الدول الناشئة أو المتقدمة؛ شكل مخاطر جديدة لحدوث صدمات اقتصادية و لا سيما أنها مدعومة بمعدل سعر فائدة منخفض، وسجل الدين العالمي مستوى قياسيا جديدا بلغ 253 تريليون دولار بحسب بيانات معهد التمويل الدولي IIF، كما أن معدل الديون العالمية مرشح للوصول إلى 257 تريليون دولار في 2020، كما أن الفجوة بين أسعار الأصول المالية في الأسواق المالية وبين الاقتصاد العيني أو الواقعي تعد أبرز العوامل المساعدة على حدوث الانهيارات المالية غير المتوقعة.
وبعد كل تلك الأسباب الاقتصادية الهيكلية؛ هناك من يلقي باللوم على أن النفط أو الدول المصدرة له وراء تهاوي أسعار البورصات العالمية، إلا أن الحقيقة التي لا يعرفها غير المختصين، أن أسعار النفط ما هي إلا نتيجة، وليست سببا لحالة الاقتصاد التي نشهدها حاليا.
في ضوء ما سبق أيضا؛ لا يمكننا في الرأي الاقتصادي، أن نقبل بالآراء السطحية التي نراها في معظم وسائل الإعلام العربي أو حتى الغربي، ومع الأسف، بعضها صادر من بعض محللي مؤسسات مالية؛ تعزو حالة الأسواق العالمية إلى قرارات السعودية النفطية أو دول "أوبك" المنتجة.

إنشرها