Author

الإعلام والهلع والتهويل

|
أستاذ جامعي ـ السويد

 يرى علماء النفس أن المجتمعات التي ينتابها الخوف والهلع لن تفلح مساعيها وستفشل في القضاء على ما يعكر صفوها حتى لو لجأت إلى العلم والمعرفة.

ولقد أخذ علماء النفس يرفعون أصواتهم محذرين من أن الحملة التي تشنها الدول المختلفة لمكافحة الفيروس المستجد والقاتل والمعروف بـ"كورونا" قد لا تؤتي أكلها إن تحكم الفزع والهلع بالناس.
وإن لم يفلح العلم في وضع حد للذعر والفزع ومن ثم يبعد انتشار الفيروس عن طبيعتنا البشرية التي أحيانا تتلذذ بألم الآخر المختلف سيتحول الفيروس إلى وباء قد يفتك بالملايين.
وها نحن نشاهد بأم أعيننا من خلال الشاشات ونقرأ على صفحات الجرائد كيف أن الناس تفرغ الرفوف في المخازن والمولات في بعض أماكن الرخاء والتطور الصناعي وكأن المجاعة على الأبواب.
لم يتغلب علينا الفيروس بعد ولا أظن ستكون له الكفة العليا في حربنا معه، لكننا قد نخسر المعركة إن دخلناها ونحن خائفون.
لا شك أن المرض المستجد هذا أصبح مصدر قلق وهو يقتحم الحدود ويصبح المادة الرئيسة في نشرات الأخبار وتعلن دول صناعية كبرى مثل إيطاليا الإغلاق الكامل لحركة التنقل والسفر في البلاد.
 ومع ذلك يحذر علماء النفس من أن الوباء وطريقة تغطية الكثير من الوسائل الإعلامية لانتشاره وضحاياه قد يبثان الروع في قلوب الناس وعندها لن يكون بمقدور الحكومات تلبية الحاجات الأساسية، حيث سيهرع الناس إلى التخزين ما قد يسبب فراغا سلعيا للمواد والمستلزمات الأساسية مع ما سيلحق ذلك من تبعات.
وقد لا تستطيع السلطات والحكومات السيطرة على الوضع إن تمكن الخوف والفزع والهلع من الناس. عندها سيكون وضعنا مثل جيش ينسحب من معركة دون استراتيجية واضحة لأنه ليس هناك ما يهدئ روع الجند.
خشية علماء النفس نابعة من أن عدم توافر -حتى الآن- لقاحات وأدوية فعالة لمنع الإصابة أو معالجة المصابين يسهم في زيادة الخوف، رغم أن الأغلبية العظمى من المصابين يغادرون المشافي وهم أصحاء بعد الإصابة.
ويستقي العلماء كثيرا من معرفتهم حول طرائق استجابتنا لهذا الوباء من السجلات التاريخية التي تبين أن أي ظهور لوباء جديد يصبح مبعثا للخوف والقلق.
كانت ظاهرة الهلع ترافق سابقا تفشي أمراض مثل الحصبة والطاعون والنكاف والتيتانوس والدفتريا وغيرها. اليوم هذه الأمراض لم تعد تقلقنا كثيرا ولا تثير الخوف فينا. لدينا لقاحات جاهزة لمنع الإصابة وأدوية لتطبيب المصابين، هذا إن وجدوا.
اليوم أغلب الناس تعيش في رفاهية كانت حلما في الماضي. أنا لدي سيارة وبيت وكهرباء وتدفئة وتبريد ودراجة هوائية حديثة سرعتها نحو 30 كيلومترا في الساعة وإنترنت وماء نقي جار في صنابير على الدوام وحاسوب وجهاز رقمي ذكي يحوي تقريبا الدنيا برمتها.
أكاد أجزم أن رفاهيتي كأستاذ في جامعة سويدية اليوم توازي أو تبز رفاهية إمبراطور أو قيصر أو خليفة في قديم الزمان، ممن لن يستوعبوا أبدا مثلا لماذا يفرغ الغربيون في بعض الدول رفوف المخازن من المعقمات وورق التواليت؟
تصور أن الناس التي تعيش في بحبوحة ورفاهية كهذه وصدفة ترى أنها أمام فيروس ووباء غير مرئي وهي لا حول ولا قوة لها وهو ينتقل من مكان لآخر ومن دولة إلى أخرى دون استئذان أحد.
ورغم ما نملكه من قوة عسكرية رهيبة في إمكانها تحطيم العالم على رؤوسنا عدة مرات وماكينة عسكرية رهيبة تضرب من بعد وتقتل وتشتت وتدمر، إلا أن الخوف والهلع تملكنا أمام هذا الفيروس غير المرئي.
كل ما نملكه أو ما نراه دليلا على "عظمة الإنسان" وكونه مخلوقا طوع الطبيعة وفي طريقه إلى غزو الفضاء خارج كوكبه الصغير يقف ليس عاجزا بل خائفا وقانطا وأحيانا قاطعا للأمل أمام هذا الصغير غير المرئي، الذي لا نستطيع شمه أو لمسه. نهرب منه ونحن لا نراه، إلى درجة صرنا نهرب من بعضنا بعضا. الفيروس هذا يختلف عن الإعصار أو الزلازل أو ما اخترعناه لقتل الواحد منا الآخر من خلال أسلحة نتفنن في صنعها وكلما زاد فتكها ومداها، زدنا فخرا بها.
الإعصار نراه وأذاه فوري ومساحته معروفة كما الزلزال. الفيروس المستجد أتانا من حيث لا ندري ولا نرى ولا نحس ويريد أن يبقى معنا. أجبرنا على أن نسد في وجهه ليس بيوتنا بل مدننا ودولنا حتى بيوت عبادتنا ومدارسنا. إن أردنا ألا نخاف منه فعلينا أن نحب بعضنا بعضا، وعلى الإعلام أن يعلمنا كيف لا نخاف، وعلينا جميعا تعلم الدرس أن القدر موجود وعندما يضرب يضربنا كلنا سواسية.

إنشرها