«المعمل»
ترى أيهما أخطر اليوم وأكثر حساسية، سر تقني عسكري أم سر علمي بيولوجي؟ كلاهما مهم كخطر يهدد الإنسانية، أو كوسيلة تحميها، وكلاهما ينطلق من حيز يكبر أو يصغر اسمه "المعمل".
المعمل المنتج لأدوات القوة سواء كانت سلاحا أو تقنية أو دواء، وفي حالات أخرى داء هو محطة من محطات سلسلة التفوق على غرار سلاسل التوريد، وهي سلسلة تبدأ بالأفكار، والبيئات التي تحترم وتقدر الأفكار، وتنتهي بالمنتجات في المجتمعات التي تملك الصبر على النتائج، والإيمان بالعلم كسلاح، والقناعة بأن الإنفاق عليه ليس ترفا للتباهي به في الإعلام.
لا أكتب متتبعا خيوط نظرية "المؤامرة" أو مجموعة النظريات التي تقال هذه الأيام بمناسبة الفيروس الجديد، فالتاريخ كفيل بها إن وجدت، لكني أتأمل في الناس في مجتمعات معينة ينتظرون أناسا آخرين في مجتمعات أخرى ليعلنوا لقاحا يحمي، أو دواء يشفي سيخرج أحدهما أو كلاهما من معمل.
من يملك مفاتيح البحث العلمي، والمال، والنفوذ العالمي في التأثير في قبول أو رفض أي مادة أو أسلوب علاج، هو من يمسك بزمام صحة البشر، أي من يملك مفاتيح "المعمل" سواء كان معمل "كارتيل" شركات أدوية، أو معمل مركز أبحاث جامعي أو طبي، أو أيا كان، فمنه وإلى العالم ستخرج البشرى، أو مزيد من الأخبار المقلقة.
ونحن نترقب معامل الدول المتقدمة التي جعلتها المعامل تتقدم تذكرت المعامل في بعض الكليات العلمية التي مررت بها، كانت في حينه تحفا في التصميم والبناء ووسائل السلامة وتوفر الأدوات، لكنها كانت بمنزلة قاعات المحاضرات، تأتي إليها لتنفذ ما هو مكتوب سلفا في مذكرة أو منهج ولا مجال لأي خروج عن النص، أو تعليمات المعيد خشية عليك كطالب من الحوادث، وخشية على "العهدة" في المعمل.
البحث العلمي هو محور التقدم والقوة الأساس، واليوم بدا واضحا أن التقنية هي لب الموضوع في أهم صناعتين في العالم، السلاح والدواء، والعقول هي من تجعل من هذا اللب ثمرة ناضجة تقطفها الدول أو الشركات.
في العالم العربي عقول مميزة، وفي بلادنا سجل نساء ورجال كثيرون حضورا علميا جيدا في بعض التخصصات محليا وعالميا، لكن المشكلة تكمن في أن بعضهم وبمجرد بروزه يهجر معمله إلى منصب أو شهرة وإعلام، فيفقد مصدر قوته الأساس، ثم نفقده كمصدر قوة لنا.
لا نحتاج إلا إلى قناعة بأن البحث ليس مشروعا ينتهي بالحصول على درجة علمية، أو رئاسة قسم أو إدارة كلية أو مستشفى أنه ينتهي بكشف عظيم للإنسانية، ويبقى صاحبه ملكا في معمله الذي هو مملكة علمه.