ما بين فيروس كورونا وفيروس الإعلام

هل هناك شبه بين الإعلام والفيروس؟ لا تستغرب عزيزي القارئ إن قلت: إن هناك بعض الشبه بين الإعلام والفيروس. الفيروس يحمل مرضا أو وباء وينشره بين الناس. والإعلام قد يحمل أخبارا كاذبة أو قصصا مضخمة أو حتى مزورة وينشرها بين الناس.
الفيروس له وسيلة ينتقل بواسطتها من شخص إلى آخر ومن مجتمع لآخر ومن مكان لآخر. والفيروس له متلقون وحاضنة، ينمو ويترعرع فيها.
والإعلام يحتاج إلى وسيلة كي ينتقل من شخص إلى آخر ومن مكان إلى آخر. والإعلام له مستقبلون وحواضن يترعرع وينمو فيها.
والشبه بين الإعلام والفيروس لم يغب عن التقصي والدراسة لدى الباحثين والعلماء. هناك دراسات تتناول الإعلام كفيروس قد يفتك بالبشر حاله حال أي فيروس آخر؛ وفي وضعنا أقرب شبه له قد يكون فيروس كورونا.
رغم الشبه، إلا أن هناك تباينا واضحا في طريقة الانتشار وردة الفعل. ففي الوقت الذي نخشى ونحارب الفيروس الفتاك الجديد ونلتئم أفرادا ومجتمعات ودولا لاحتوائه والقضاء عليه، نقف مكتوفي الأيدي أمام الإعلام وفيروسه ينتشر بحرية في صفوفنا رغم ما قد يحمله من مضار ونقبل به كأننا وإياه في خانة واحدة.
نقفل الحدود ونحجر على الأفراد والمجتمعات والمدن لا بل الدول وبعشرات أو ربما مئات الملايين من الناس للتغلب على فيروس كورونا. ونتعاون مع بعضنا ونضع خلافاتنا جانبا وكأننا واحد في مواجهة شر لا نعرف حتى اليوم كيف ظهر ولا علم لنا إن كان بمقدورنا التغلب عليه.
فيروس كورونا أصابنا بالهلع وأثبت ضعفنا كبشر أمام الطبيعة التي تحيطنا وأمام كوكبنا الجميل والصغير، الصغير لأنه ليس إلا قطرة في محيط كون غير متناه.
فيروس كورونا، رغم الخوف الذي زرعه فينا، علمنا شيئا مهما وحيويا كبشر: الطبيعة عندما تغضب لا تميز بين لوننا وديننا ومذهبنا وجنسنا وعمرنا ووظائفنا حيث لا ترحم القوي فينا كما لا ترحم الضعيف.
وأمام هذا الفيروس اللعين نشاهد كيف ينحني ظهر أقوى الدول وكيف تخشى على كل ما بنته وكدسته من ثروات وصناعة وتجارة وأموال وذهب وفضة، إن كان بالعدل أو غيره.
ننسى كبشر من نحن حال بروزنا وتقدمنا واحتلالنا للمواقع المتقدمة اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وعسكريا. ونجعل من اختلافنا الثقافي وسمة للسمو والعلو والتكبر ونتكئ على ما يبدو لنا أنه أفضلية لاحتقار وازدراء الآخر المختلف، أمام هذا الفيروس الفتاك كلنا سواسية مثل أسنان المشط.
فيروس كورونا لا يعرف الفروق التي نتكئ عليها لتهميش الآخر. وفيروس كورونا لا يميز بين إنسان وآخر وهو يشق طريقه عابرا للحدود ومزيلا لأي سياج ثقافي أو اجتماعي أو اقتصادي يقصينا ويبعدنا عن بعضنا.
وحال أن يغرس أنيابه في أجسادنا، نحجر على أنفسنا، أو يتم الحجر علينا. في الحجر لا تفيد الجوازات التي نحملها أو الثقافات أو الجنس الذي ننتمي إليه أو المكانة الاجتماعية أو الوظيفة أو غيره؛ كل هذه السمات لا مكان لها في قاموس الفيروس هذا.
إنه فيروس غير حميد، بيد أنه فيروس "المساواة" في ولادته وانبعاثه وفتكه؛ يبحث عن أجسادنا وكل جسد ضمن نطاقه يخطفه بغض الطرف عن صفاته وألوانه وتشكيله الثقافي.
الإعلام أخفق ويخفق في التعامل مع الثقافات والمجتمعات والألوان والأجناس من البشر بالمساواة التي يخيفنا ويرعبنا فيها فيروس كورونا.
شخصيا لست خائفا البتة من فيروس كورونا رغم ظهوره في السويد وفي المدينة الصغيرة التي أسكن فيها بالذات. أحتاط نعم لكن لن يرعبني الفيروس هذا أبدا.
أرعبني الإعلام والطريقة التي جرى ويجري بها تغطية هذا الفيروس الخبيث.
كيف لا يدخل الرعب في قلوبنا ونحن نقرأ على صفحات جرائد أو منصات إعلامية كما هائلا من التشفي، لأننا نتصور جزافا أن الفيروس هذا ينحصر خبثه في مكان محدد، ومن ثم ننسج قصصا خيالية حول أن الطبيعة تميز بين سكنة هذا المكان دون غيره. ونحن ربما لم ننه قراءة الخطاب الخبيث هذا، الذي يفوق بخبثه خبث كورونا، وإذا بالفيروس يقتحم ديارا أخرى وهي الديار التي كنا نتصور أن الطبيعة لن تمسها لأنها في وجهة نظرنا بريئة، وليست شريرة مثل الطبيعة الأخرى.
قبل أيام طرقت باب مكتبي طالبة دراسات عليا من جنوب شرقي آسيا في لقاء دوري حول البحث الذي تجريه. وقبل أن تتطرق إلى ما وصلت إليه، شرعت تبكي وقالت: "أنا بدأت أكره نفسي ولا أعرف ماذا أفعل." قلت: "لماذا؟" قالت: "البعض يتجنبني في منطقتنا، والبعض يصيح في وجهي: كورونا، كورونا، ويهربون مني".
هذا حدث في السويد، البلد الذي يراه كثيرون نموذج المساواة والعدالة.
 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي