Author

الصناديق السيادية .. كيف تقاس عوائدها؟

|


أخذت الصناديق السيادية في العالم اهتماما كبيرا ومتزايدا، نظرا إلى قدرتها على توفير توازن للسيولة في المالية العامة مع ما توفره من مرونة، لتنفيذ عديد من السياسات الاقتصادية والتنموية بخلاف الفوائد ذات الأبعاد الاستراتيجية. وأثبتت التجارب العالمية أن الدول التي لم يكن لديها مثل هذه الأذرع الاقتصادية، كانت عرضة لكثير من المفاجآت، نظرا إلى تخلفها عن ركب التوجهات الاستثمارية المستجدة في الوقت الصحيح، فالصناديق السيادية ليست مجرد أموال تقاس عوائدها من خلال النظرة الرأسمالية في ارتفاع الربح في الأجل القصير، ولا تقاس جدواها الاقتصادية بهذه المؤشرات فقط، على أن الصناديق السيادية لا تتجاهل هذه المقاييس المهمة للأداء، لكنها تضع في حسبانها تقييم نتائج استثماراتها على المدى الطويل.
المسألة المهمة في مفهوم الصناديق السيادية المعتبرة عالميا، ليست كم ربحت وكم خسرت على المدى القصير؟ إنها أكبر من ذلك بكثير لتشمل أهدافا استراتيجية، من بينها الاقتصاد السياسي.
لقد جاءت رؤية المملكة 2030 بهذا المفهوم الجديد والجاد لصندوق الاستثمارات العامة، محركا للتنويع الاقتصادي، وتأسيس شراكات اقتصادية، لتعميق أثر ودور المملكة في المشهدين الإقليمي والعالمي، كما وضعت له التزامات أساسية انطلق منها "الصندوق" بقوة في المشهد الاقتصادي العالمي، ورغم عمره القصير نسبيا بعد التحولات الرئيسة في توجهاته، حيث لم تمض عليها سوى خمسة أعوام، لكنها كانت كافية لتجعل منه منافسا شرسا لكبريات الصناديق السيادية في العالم، والراسخة الأقدام في هذا النوع من الأعمال، ما جعله يتسنم قائمة أحد أكثر صناديق الثروة السيادية تأثيرا في العالم. وحقق "الصندوق" هذه النجاحات في هذا الوقت القياسي، نظرا إلى التغيير الجذري الذي أدخل على طريقة إدارته منذ عام 2015، ولتطبيقه معايير عالية المستوى بشأن الحوكمة ومنهجية اتخاذ القرار، التي لم تعد تخضع للقرار الفردي أو الارتجالي، خاصة تلك القرارات التي تتعلق بنوع وحجم وتوقيت الاستثمار. لقد كانت مشاركة صندوق الاستثمارات العامة في صندوق رؤية سوفت بنك من القرارات، التي اتخذت في هذه المرحلة المهمة من البناء الاستثماري، ذلك أن مبدأ الاستثمار للصناديق السيادية عموما يقوم على الاستثمار طويل المدى من خلال اقتناص الفرص في القطاعات الواعدة، ولا يوجد اليوم أكثر من قطاعات التكنولوجيا والتقنية والذكاء الاصطناعي، التي ترتبط بشكل وثيق بالثورة الصناعية الرابعة، التي ترسم ملامح البقاء في المستقبل بين الأقوياء، فهي تمثل أحد أهم محركات النمو الاقتصادي العالمي، كما أنها في مصب الصناعات البتروكيماوية، التي يتربع صندوق الاستثمارات العامة على عرشها، من خلال القرارات الحاسمة بشأن توحيد عملية القرار الاستراتيجي في شركتي سابك وأرامكو. لذا، فإن الامتداد الاستثماري وتأثير الصندوق السيادي في المملكة في اتجاهات القرار في عالم التكنولوجيا والروبوتات والتقنية عموما، سيكون له أهمية بالغة لاستدامة الاقتصاد السعودي، وإذا كانت هذه هي النظرة الاستراتيجية بعيدة المدى لصندوق الاستثمارات العامة، فإن قراءة استثماراته في صندوق رؤية سوفت بنك، يجب أن تكون في هذا السياق وليس مجرد تتبع لنتائج تشغيلية قصيرة الأجل ذات تأثير محدود، فصندوق رؤية سوفت بنك استثمر 74.6 مليار دولار في 88 شركة عام 2018، ونمت تلك الاستثمارات إلى 79.8 مليار دولار بنهاية 2019، كما حقق "الصندوق" مكاسب تقارب 4.5 مليار دولار أتت حصيلة اكتتابات عامة، وأي انخفاضات في الأرباح نتيجة تقلبات أسواق المال، تعد نتيجة مرحلية من العمليات التشغيلية، لكن دليل قوة صندوق سوفت بنك تظهر مع العوائد الاستراتيجية كعوائد عملاق التجارة الإلكترونية "علي بابا"، التي تشكل 54 في المائة من حجم الصندوق، حيث سجلت الشركة ارتفاعات سعرية نتيجة استمرار نمو مبيعاتها وأرباحها، على الرغم من الحرب التجارية، التي شهدها العالم في العامين الماضيين وتباطؤ النمو في دول عديدة.
وتأكيدا على منهجية القرار الاستثماري في صندوق الاستثمارات العامة، خاصة في صندوق رؤية سوفت بنك، فإن نجاح القرار الاستثماري فيه، يتمثل في أن ما بين 40 إلى 50 شركة يستثمر فيها صندوق سوفت بنك، استثماراتها ناجحة وتحقق نتائج طيبة، وهو مقياس الاستثمار الآمن الذي يحقق أهداف رؤية المملكة 2030، فمعايير النجاح مرتبطة بنتائج المحفظة الاستثمارية، التي تضم استثمارات متنوعة، فإذا تعرض بعضها لتراجع مرحلي في الأرباح، قابله تحقيق الاستثمارات الأخرى مكاسب ونتائج متميزة، وتبقى النتائج النهائية الشاملة للمحفظة هي ما يراهن عليه في أي استثمار، وهذا ما يعتمده صندوق الاستثمارات العامة، الذي حقق أرباحا متميزة في عام 2019.

إنشرها