الاقتصاد المعرفي .. من عقدة النفط إلى نعمة العقل
ليومنا هذا قد لا يعلم المواطن أن "رؤيتنا" الطموحة جاءت لتوفير العيش الكريم لأجيالنا بعد إنقاذ اقتصادنا من عقدة النفط، الذي كان يشكل نحو 90 في المائة من دخلنا السنوي و54 في المائة من ناتجنا الوطني، ما أدى إلى تراجع إيراداتنا، لدى انخفاض أسعاره العالمية، ليرتفع عجز الميزانية خمسة أضعاف خلال عام واحد. وكان من المتوقع أن يتفاقم هذا العجز مستقبلا لتتآكل جميع مدخراتنا وتزداد قيمة ديوننا السيادية. لذا جاءت "رؤيتنا" الطموحة لتحريرنا من الاعتماد على النفط بحلول عام 2020 من خلال زيادة إيراداتنا غير النفطية ستة أضعاف، من 163 مليارا إلى تريليون ريال، ورفع حصة صادراتنا غير النفطية في ناتجنا المحلي من 16 إلى 50 في المائة على الأقل، والوصول بمساهمة قطاعنا الخاص في ناتجنا الوطني من 40 إلى 60 في المائة لتصبح المملكة ضمن أفضل 15 اقتصادا في العالم.
وليومنا هذا قد لا يعلم المواطن أن "رؤيتنا" الطموحة جاءت لتؤكد ضرورة ترشيد الإنفاق وتصحيح الدعم وتوجيهه للمستحقين فقط، بعد أن ارتفعت تكاليفه السنوية إلى 150 مليار ريال في الكهرباء، و24 مليار ريال في تحلية المياه، و168 مليار ريال في وقود النقل، و92 مليار ريال في الصناعات المختلفة، و15 مليار ريال في الصناعات البتروكيماوية لتساوي هذه التكاليف نصف نفقات الميزانية السنوية.
وليومنا هذا قد لا يعلم المواطن أن أهداف طرح أسهم شركة أرامكو السعودية للاكتتاب وتخصيص 16 نشاطا حكوميا بالمشاركة مع القطاع الخاص، جاءت لتحويل صندوق الاستثمارات العامة إلى أضخم الصناديق السيادية عالميا، بأصول تقدر قيمتها بأكثر من تريليوني دولار، ليسيطر على 10 في المائة من القدرة الاستثمارية في قريتنا الكونية، وليبلغ حجم ممتلكاته أكثر من 33 في المائة من الأصول العالمية. وسيقوم هذا الصندوق باستهداف الاستثمار في القطاعات الربحية داخل المملكة وخارجها وعلى رأسها قطاع التعدين السعودي الذي تزيد قيمة موجوداته المؤكدة على 1.3 تريليون دولار، وذلك لتنويع مصادر دخلنا وزيادة فرص العمل في هذا القطاع إلى 90 ألف فرصة عمل بحلول عام 2020.
وليومنا هذا قد لا يعلم المواطن أن "رؤيتنا" الطموحة أصرت على ضرورة الاستثمار في التنمية البشرية وتوليد وظائفنا الوطنية، لتخفيض معدلات البطالة من 11.6 إلى 7 في المائة، ورفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22 إلى 30 في المائة، وزيادة نسبة مدخرات الأسر من إجمالي دخلها من 6 إلى 10 في المائة. ولتحقيق هذه المؤشرات كان لا بد من زيادة المحتوى المحلي لحجم مشترياتنا الخارجية، التي فاقت كل عام في المتوسط 230 مليار دولار، وتشمل القطاعات العسكرية والنقل وتقنية المعلومات، لتتخذ المملكة قرارا حاسما بتصنيع 30 إلى 50 في المائة من هذه المشتريات محليا، لننجح في توليد الوظائف وتوطينها ونقل التقنية وزيادة صادراتنا غير النفطية.
وليومنا هذا قد لا يعلم المواطن أن برامج رؤيتنا الحاسمة حققت خلال الأعوام الثلاثة السابقة منذ إطلاقها عديدا من الإنجازات، ما دعا البنك الدولي في أواخر العام الماضي إلى الإشادة بسياسة الإصلاح الاقتصادي التي انتهجتها المملكة، مؤكدا نجاحها في التقدم 30 مركزا في ممارسة أنشطة الأعمال، وتصدر المرتبة الأولى بين 190 بلدا حول العالم كأكثر دولة تقدما وإصلاحا لبيئة الأعمال والاقتصاد. كما حققت المملكة المرتبة الثانية في العالم كأقل الدول في نسبة الدين العام من الناتج المحلي الإجمالي، الذي لم يتجاوز نسبة 26 في المائة، بينما ارتفعت هذه النسبة إلى 76 في المائة في أوروبا، و105 في المائة في أمريكا، و230 في المائة في اليابان.
وليومنا هذا قد لا يعلم المواطن أن فجر الاقتصاد المعرفي الذي بزغ في أواخر القرن الماضي، أصبح يستأثر اليوم على 9 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي، ويحقق نموا حقيقيا بمعدل 13 في المائة سنويا، ما أدى إلى تفوقه على الاقتصادات التقليدية المعتمدة على رأس المال والمواد والعمالة. لذا سارعت المملكة لتأهيل مواردها البشرية بالمهارات التقنية الفائقة، وتدافعت للاستثمار في البحث العلمي والبرمجيات والمعلوماتية، ليصبح الإبداع والابتكار المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي السعودي في العقد المقبل. وجاءت هذه الخطوات لتتبوأ المملكة مرتبة متقدمة في الاقتصاد المعرفي الذي أدى إلى زيادة النمو في حجم التعاملات الإلكترونية خلال العقد الماضي بنسبة 600 في المائة في منطقة آسيا و520 في المائة في أمريكا و340 في المائة في أوروبا و80 في المائة في دول الشرق الأوسط. وهذا أدى بدوره إلى تضاعف حجم هذه التعاملات دوليا من أربعة تريليونات دولار عام 2003 إلى 23 تريليون دولار في نهاية عام 2019، ليعادل قيمة الناتج المحلي الإجمالي لأمريكا.
وليومنا هذا قد لا يعلم المواطن أن مؤشر الاقتصاد المعرفي ينحصر في أربعة عناصر تتجسد في الحوافز الاقتصادية، والنظام المؤسساتي، والابتكار في التعليم والتدريب، والبنية التحتية لتقنية المعلومات وخدمات الاتصالات. لذا قررت المملكة دعم مسيرة البحث العلمي بنسبة 1.07 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وسارعت إلى إنشاء 22 مركزا للتميز البحثي في الجامعات السعودية بميزانية سنوية فاقت 600 مليون ريال، وأطلقت برامج تقنية النانو في ثلاث جامعات رئيسة، وأسست الحدائق الذكية وحاضنات التقنية للمساهمة في توطين البرمجيات والمعلوماتية ودعمت كراسي البحث العلمي، التي فاق عددها 244 كرسيا بحثيا، ما حقق نموا في نشر الأبحاث العلمية بنسبة 217 في المائة خلال العقد الماضي وإصدار أكثر من خمسة آلاف ورقة بحثية في العام الماضي. وبهذا قفزت المملكة في التصنيف الدولي للمعرفة 14 مرتبة خلال العام الماضي لتتربع على المركز الـ52 من أصل 136 دولة.
واليوم لا شك أن المواطن أصبح أكثر قناعة بمزايا الاقتصاد المعرفي، الذي جاء في عصرنا هذا ليؤمن لأجيالنا المقبلة دخلا أكثر تنوعا وقوة ونموا ورخاء من الاقتصاد الريعي.