السندات الخضراء والتمويل المستدام «2 من 3»

رغم منافسة المعايير الوطنية وعدم وجود آليات امتثال قوية لإصدار السندات، فقد عكف كل من اتحاد أسواق القروض ورابطة أسواق رأس المال الدولية على عرض معظم القضايا المتعلقة بالسندات الخضراء وفق مقياس واضح، وعلى ضمان تحقيق المشاريع نتائج ذات أهمية نسبية.
ولا شك أنه ينبغي التحقق من الامتثال للمعايير، كتلك المعايير التي وضعها اتحاد أسواق القروض ورابطة أسواق رأس المال الدولية. فالحوافز الداخلية التي يقدمها أصحاب الأصول غير كافية. وقد قامت شركات رائدة، مثل شركة CICERO وشركة Sustainalytics بإجراء مراجعات خارجية لأكثر من 88 في المائة، كسندات "مبادرة سندات المناخ" الـ 5000 سند التي تصنفها خضراء. ويعني هذا التصنيف أن 95 في المائة على الأقل من عائداتها تذهب إلى الاستخدامات البيئية وأن المجالات التي لم تخضع للأبحاث الكافية وتكون موضع جدل يتم استبعادها.
وهذه المراجعات، إلى جانب التحقق المسبق من جهات الإصدار التي ينصب تركيزها على البيئة، ضمنت أن الأصول الضامنة رابطة أسواق رأس للسندات التي تستوفي الحد الأدنى لشروط هي بالفعل خضراء -"مبادرة سندات المناخ" والمال الدولية إلى جانب معظم الأموال المستثمرة في هذه السندات.
لكن هذا لم يمنع دخول أطراف مريبة إلى هذه السوق. فمن مشاريع "الفحم النظيف" في الصين إلى السندات التي باعتها شركة النفط الإسبانية "ريبسول" قام مصدرو السندات بتشويش أو طمس الخطوط بين المشاريع المستدامة وغير المستدامة. وقد أدى رد الفعل المناهض لمثل هذه المشاريع إلى إثارة جدل أكثر عنفا بشأن ضرورة وضع تعريفات أكثر دقة لأنواع الاستثمارات التي تسهم في إمكانية استدامة الأوضاع وحجم تلك المساهمة.
ويمكن للمستثمرين الذين يلتزمون بالمبادئ التوجيهية "مبادرة" و"رابطة أسواق رأس المال الدولية"، التي وضعتها أن يكونوا على ثقة بأنهم يدعمون البنية التحتية -سندات المناخ منخفضة الانبعاثات الكربونية والخفض الجذري للانبعاثات- ربما على نحو مفرط. ولتلافي الدخول في المجادلات، مثلا، فإن اعتماد السندات وفق أعلى معايير مبادرة سندات المناخ سيحصرها في المجالات ذات الصلة بالمناخ والقابلة للاستثمار كالطاقة النووية، وفي قضايا مثل السفر الجوي، الذي يسهم بنسبة قدرها 2 في المائة من كثافة انبعاثات الكربون عالميا وتتزايد.
وإضافة إلى ذلك، فإن التحليل المنهجي حسب كل قطاع على حدة يستغرق وقتا طويلا. فلم تبحث الهيئات المعنية في الآونة الأخيرة إلا في وضع أطر لصناعات مثل الأسمنت والصلب، التي تشكل مجتمعة من 15 إلى 17 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، لكنها ضرورية لبناء البنية التحتية للتحول والتكيف مع تغير المناخ، "الاقتصاد البني إلى الأخضر" من وذلك مثلا من خلال إنشاء محطات شحن السيارات الكهربائية ومصدات الفيضانات في المناطق المنخفضة.
غير أن سرعة نمو السندات الخضراء ودرجة تعقيدها وتنوعها، وكذلك الاستثمارات الخضراء التي ظهرت بعدها، قد تشكل أكبر تحد أمام التمويل المستدام. وتشير تقديرات "ائتلاف الاستثمارالعالمي المستدام" إلى أن أصولا مؤسسية قيمتها 30.7 تريليون" دولار من أنحاء العالم تم استثمارها في منتجات مستدامة؛ أو منتجات تركز على الجوانب البيئية والاجتماعية والمعنية بالحوكمة؛ أو منتجات خضراء في ست أسواق رئيسة هي أستراليا وكندا وأوروبا واليابان ونيوزيلندا والولايات المتحدة في بداية عام 2018. وذلك بزيادة قدرها 34 في المائة منذ عام 2016 ... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي