قضايا خلافية عميقة تؤجج العلاقة بين أكبر اقتصادين في العالم .. أبرزها هيكلة الاقتصاد والتكنولوجيا

قضايا خلافية عميقة تؤجج العلاقة بين أكبر اقتصادين في العالم .. أبرزها هيكلة الاقتصاد والتكنولوجيا

يعتزم وفد تجاري صيني التوجه إلى واشنطن خلال الأيام القليلة المقبلة، لتوقيع "المرحلة 1" من الاتفاق التجاري الأمريكي- الصيني.
وقد أنعش توصل أكبر اقتصادين في العالم إلى اتفاق جزئي، الآمال بهدنة للحرب التجارية بين واشنطن وبكين، وتراجع التكلفة باهظة الثمن لتلك الحرب على الاقتصاد الدولي.
وكان من المقرر أن يزور الوفد الصيني واشنطن الشهر الماضي لتوقيع الاتفاق، إلا أن الأمر تغير في أعقاب تغريدة للرئيس الأمريكي دونالد ترمب ذكر فيها أنه سيوقع الصفقة مع "ممثلين صينين رفيعي المستوى في 15 يناير في البيت الأبيض"، وقد مثلت تلك الخطوة مفاجأة للجانب الصيني، إذ لم تتوقع بكين من الرئيس الأمريكي أن يصدر إعلانا أحاديا عن الموعد، وأن التوقيع سيتم مع ممثلين رفيعي المستوى، وهو ما فسرته بعض الدوائر السياسية والمالية بأنه إشارة إلى الرئيس الصيني شي جين بينج، بل ذهب ترمب إلى أبعد مما كان الصينيون مستعدين له، عندما أكد أنه سيذهب لاحقا إلى بكين لبدء محادثات المرحلة الثانية.
وفي الحقيقة، فإن هذا الأمر يكشف اختلاف الفهم بين بكين وواشنطن لتفاصيل "المرحلة 1" من الصفقة، وأهداف الطرفين منها، فبينما يرمي الرئيس الأمريكي إلى اعتبار الصفقة فوزا كبيرا للولايات المتحدة وله بشكل شخصي، خاصة في عام الانتخابات الرئاسية، لا ينظر الصينون "للمرحلة 1" من الاتفاق على أكثر من كونها محاولة لتهدئة الأسواق ولالتقاط الأنفاس بعد صراع تجاري عنيف مع الجانب الأمريكي، وما تركه من بصمات سلبية على اقتصاد البلدين بشكل خاص وعلى الاقتصاد العالمي بشكل عام.
"الاقتصادية"، استطلعت آراء مجموعة من الخبراء الاقتصاديين حول تأثير توقيع "المرحلة 1" من الاتفاق الأمريكي – الصيني على مسيرة الاقتصاد والتجارة الدوليين.
الدكتور دنيس هازل الاستشاري السابق في البنك الدولي يعتقد أن الاتفاق يجب أن يقودنا إلى التفاؤل، لكنه تفاؤل حذر، مضيفا أن "الاتفاق لا ينفي وجود عديد من أوجه عدم اليقين في الاقتصاد العالمي، والعلاقة بين الولايات المتحدة والصين تحديدا. ولكن تهدئة الأوضاع تعد أخبارا إيجابية في حد ذاتها".
ويشير هازل إلى أن "المرحلة 1" مهمة، ولكنها ليست أكثر من خطوة لإعادة العلاقة بين الجانبين مجددا، وهنا يكمن جوهر المشكلة، فلا يوجد ضمانات في "المرحلة 1" بأن ذلك سيحدث، فهناك قضايا خلافية عميقة بين البلدين، والاختلافات تتضمن كيفية تفكير الولايات المتحدة والصين فيما ينبغي أن يكون عليه شكل هيكلهما الاقتصادي، وهناك نزاعات حادة تتجاوز العلاقات التجارية إلى مجالات ذات طابع استراتيجي مثل البحث والتطوير في مجال التكنولوجيا على سبيل المثال.
ويعتقد هازل أن الاكتفاء بـ"المرحلة 1" لن يحدث تغيرا يذكر في وضعية الاقتصاد العالمي، فلن يسهم مثلا في رفع معدلات النمو، لكن يمكن لتلك "المرحلة 1" أن تحد نسبيا من حدوث مزيد من التدهور والتراجع في المؤشرات الكلية للاقتصاد الدولي، فالتجارة الدولية قد تتحسن نسبيا، وترتفع معدلاتها، مقارنة بالتوقعات، التي سادت قبل توقيع الاتفاق.
حتى الآن لم يتم الكشف عن كامل تفاصيل "المرحلة 1" من الاتفاقية المكونة من 86 صفحة، لكن بموجب ما تم الإعلان عنه، فإن الولايات المتحدة ستعلق العمل بتعريفات جديدة بقيمة 160 مليار دولار على الواردات الصينية من سلع مثل الهواتف الذكية والألعاب، في المقابل ستوافق الصين على شراء مزيد من المنتجات الزراعية الأمريكية، وستتخذ التزامات جديدة لتحسين حماية الملكية الفكرية.
من جانبه، يبدو ريتشارد سميث المحلل المالي في بورصة لندن متفائلا بشأن المستقبل بعد اتفاق الجانب الأمريكي والصيني، ويعتبر أن "ردود فعل الأسواق على الرغم من قلة التفاصيل الخاصة بما تم التوصل إليه بين الجانبين، تكشف عن رغبة شديدة من قبل قطاع الأعمال لوقف تلك الحرب التجارية سريعا". وأضاف سميث أن "أسواق الأسهم بلغت مستويات قياسية منذ تم الإعلان عن التوصل إلى "المرحلة 1"، وعند التوقيع ستشهد أسواق المال قفزات ضخمة وكبيرة في قيمة الأسهم، وهذا يعني أن معدلات النمو المتوقعة للاقتصاد العالمي في 2020 ستكون أعلى من التقديرات السابقة".
لكنه يضيف، أن قدرة الاتفاقية على التصدي للتوترات طويلة الأمد مشكوك فيها، إلا أنها ستسهم في الأجل القصير في تحسن معدلات التبادل التجاري وحجم التدفقات الرأسمالية بين البلدين.
أما إيفلين فايث الخبيرة الاستثمارية فلديها وجهة نظر قلقة بشأن ردود فعل الاقتصاد العالمي تجاه توقيع "المرحلة 1" من الاتفاق الأمريكي- الصيني، حيث تعتقد أن ارتفاع أسعار الأسهم والتفاؤل المهيمن على الأسواق الدولية حاليا، ما هي إلا انفعالات مؤقتة قد تتلاشى سريعا، ويحل محلها مناخ يتسم بالقلق والسلبية تجاه المستقبل، إذ ترى أن "المرحلة 1" ستحدث تغييرات في النظام المالي الصيني، وسينعكس ذلك على النظام المالي العالمي، وبالطبع على اتجاهات الاستثمار والتجارة العالمية.
وتضيف إيفلين أن "الصفقة الراهنة بين واشنطن وبكين ستجعل البنك المركزي الصيني أكثر استعدادا لتخفيف السياسة النقدية في الداخل، والسماح بتقلب سعر صرف اليوان، والجانب الأمريكي يؤكد أن الاتفاق سيتطلب من بكين زيادة الشفافية بشأن سعر صرف عملتها، وتجنب استخدام تخفيض قيمة العملة كوسيلة لزيادة الصادرات.. وهنا تكمن المشكلة، فإذا لم يتوصل الطرفان إلى تفاهمات مشتركة ذات طبيعة طويلة الأجل، فإنه من المتوقع أن ينفجر الصراع مجددا وربما تستحكم العداوة، وستتعامل واشنطن مع التقلبات السعرية في سعر اليوان باعتباره تلاعبا من المركزي الصيني بقيمة العملة الصينية، لتعزيز القدرة التصديرية للبلاد، وتحقيق فائض في الميزان التجاري، وهذا يمكن أن يقود إلى نزاع أكثر شراسة، إذا فاز ترمب بدورة ثانية من الرئاسة الأمريكية".
لكن وجهة النظر تلك، وعلى الرغم من أهميتها، إلا أنها تتناسى أن تحسن العلاقات الصينية- الأمريكية، سيساعد على تشكيل توقعات مستقرة نسبيا للسوق، ودعم الاستثمار الصناعي العالمي، وتعزيز قطاع الخدمات الدولي، ورفع معدلات التجارة الخارجية في البلدين وعلى المستوى العالمي.
ويرى الدكتور آندروا دين أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة شيفيلد، أنه "إذا نظرت واشنطن وبكين إلى "المرحلة 1" من الاتفاق التجاري باعتبارها صفقة مؤقتة، فإن هذا يعد فرصة ضائعة للتخلص من وضعية عدم اليقين، التي تهيمن على الاقتصاد العالمي، وإذا استمر التنافسي الثنائي بعد توقيع "المرحلة 1"، فإن هذا يعني أن مفاوضات المرحلة الثانية ستكون أصعب بكثير، وقد تسفر عن لا شيء".
وشدد آندروا دين، على أنه يتعين على البلدين استغلال التفاؤل الراهن في الأسواق، واستعداد رجال الأعمال في الجانبين لاستئناف تعاونهم التجاري والمالي والاقتصادي، الذي تأثر بشدة نتيجة الحرب التجارية.
لكنه يؤكد في الوقت ذاته، ضرورة عدم الخلط بين تلك التطورات واستمرار الخلافات بين بكين وواشنطن فيما يتصل بالقضايا الرئيسة الشائكة مثل الصراع التكنولوجي، وقيمة العملة، التي لا يبدو أن لها حلا في الأفق بعد.

سمات

الأكثر قراءة